الخرطوم : الراية نيوز
حليم عباس يكتب :
الحوار والأجندة الغائبة
بين يدي حوار من المفترض أنه على أيه حال يهدف إلى نقل البلد إلى مرحلة جديدة كلياً أساسها الديمقراطية و الحكم الرشيد، كان المفترض أن تكون النقاشات في الساحة السياسية كلها تدور حول القضايا الأساسية مثل الدستور و نظام الحكم و الانتخابات.
بدلاً من ذلك، ها نحن نتجادل حول من تحق لهم المشاركة و من يحق لهم احتكار العملية برمتها!
أي عملية حوار سياسي من المفترض أنها تتمحور حول قضايا، حول طرح فكري موضوعي عن القضايا الأساسية، طرح يستمد قيمته من معقوليته و من قدرته على اكتساب توافق الناس عليه. الحوار بطبيعته يهدف إلى إنتاج اقتناع واسع بقضايا يرى الجميع أنها في صالح الجميع. لا يُمكن أن تكون قضية الحوار الأساسية هي من يحق لهم و من لا يحق لهم المشاركة.
أي شخص جاد في عملية حوار سياسي سيكون حريصاً على أن تشمل هذه العملية كل الراغبين في الحوار بغض النظر عن مواقفهم. لقد رأينا في حوار الوثبة الأخير ( و أكرر هذا الحوار يمثل أقصى درجة من النضج بلغها العقل السياسي السوداني على الإطلاق) كيف كانت كل أطراف الحوار تسعى جاهدة لإشراك الجميع، بما في ذلك حملة السلاح الذين كانوا يحاربون النظام، و الأحزاب التي كانت تسعى لإسقاطه، كان معيار نجاح الحوار بالنسبة لمنظميه هو المشاركة الواسعة، و كان الحوار في ذلك الوقت يُعرف من خلال القضايا التي يناقشها، و كان الجميع تقريبا يؤكد على القضايا و حتى على المخرجات و أنها جيدة و أن المشكلة هي في التطبيق و في مدى التزام النظام بها.
و لكن انظر الآن. تقريبا لا يُوجد أي ذكر لقضايا، و لا يستطيع أحد أن يراهن على مخرجات و نتائج الحوار، و يبدو أن العملية أشبه بسباق نحو كراسي السلطة و لهذا السبب تحاول بعض القوى احتكار العملية. و لكن كيف يُمكن أن تحتكر عملية هدفها الانتقال الديمقراطي في بلد كامل؟
المطلوب الآن لكي تكون هناك قيمة لعميلة الحوار الوطني أن تتبلور قضايا واضحة ملموسة تكون هي قضايا الحوار، بحيث يشعر الناس أنها ربما تحل بعض المشاكل أو لكي يدور نقاش حولها على الأقل، و ذلك بدلاً من العبارات المبهمة مثل “إنهاء الانقلاب” و “استعادة المسار الانتقالي” و “السلطة المدنية” و تقسيم الناس إلى مع/ضد الانقلاب و كأن تاريخ السودان بكل مشاكله قد بدأ يوم 25 اكتوبر.
في الواقع فإن تاريخ 25 اكتوبر يكتسب معناه و أهميته في تاريخ السودان من عملية الحوار نفسها و ما ينتج عنها، هذه العملية هي التي تحدد إن كان تصحيحاً للمسار أو مجرد استمرار للصراع العبثي، و لكنه ليس بأي حال من الأحول بداية و لا نهاية التاريخ، يجب أن نناقش القضايا، و ما كان قائما قبل 25 اكتوبر من شراكة هو وضع خاطئ و كان يجب أن ينتهي من أجل نصل لمرحلة الحوار هذه، لا أن نعود مرة أخرى إلى شكل آخر من اتفاقية كورنثيا!