الخرطوم:الرآية نيوز
مصابيح التنوير… شخوص ورموز
الإستاذ الشيخ علي طالب الله
كان الشيخ علي طالب قد شكل الجناح الأقدم بالحركة الإسلامية في السودان ،والذي أسسه علي طالب الله في العام 1945وهو الجناح الذي إرتبط بحركة الإخوان المسلمين في مصر وبايع الإمام البنا. فقد كان للشيخ علي طالب شقيق مقيم بمصر ومتزوج من مصرية وكان الشقيق ممن بايع الشيخ حسن البنا وهو مصطفى طالب الله وقد يسر مصطفى لشقيقه مقابلة الإمام حسن البنا في العام 1945 فبايع الأمام حسن البنا وكلفه الإمام البنا بتأسيس فرع الحركة في السودان بالتعاون مع مجموعة من المصريين كانوا يعملون بالري المصري. وهذا الجناح الذي أسسه علي طالب الله لم يتصل تاريخيا بالجناح الذي نشأ بالجامعة وأسسه بابكر كرار ومحمد يوسف في العام 1949 بجامعة الخرطوم تحت إسم حركة التحرير الإسلامي إلا مؤخرا في العام 1954.وقد أختارت حركة التحرير الإسلامي أن تنأى بنفسها منذ التأسيس عن حركة الإخوان المصرية رغم معرفة المؤسسين بها عن طريق الإطلاع علي الصحف والمجلات والكتب ولاحقا عبر الوفد الذي قاده السكرتير العام عبد الحكيم عابدين للجماعة للسودان برفقة القيادي في الحركة الإخوانية في مصر السوداني الأصل جمال الدين السنهوري
أما الشيخ على طالب الله عام فقد ولد في عامله 1910م بالقطينة، وهو في الأصل من دنقلا هاجر أجداده أيام التركية السابقة، واستقروا بالنيل الأبيض منطقة القطينة وهو من أسرة مدينة ذات ارتباط بالقرآن والتعليم الديني رجلاً . ولأسرته جهاد في المهدية وقد استشهد بعض أجداده في المهدية مع عثمان دقنة، وبعضهم حارب في توشكي مع عبد الرحمن النجومي. و قد درس الشيخ علي الخلوة والمراحل الأولية بالقطينة، وألتحق بكلية غردون التذكارية، فتخرج فيها في قسم المحاسبة عام 1930م، وعمل محاسباً ببعض مشاريع النيل الأبيض، ثم انتقل بعد إلى مشاريع الشمالية، وعاد بعدها إلى مشروع الجزيرة بمدني، وفي مدني انضم لأحمد خير المحامي في حركة نوادي الخريجين وكانت في بدايتها،في عام1938 وكانت نوادي الخريجين وبخاصة في مدني وأم درمان و عطبرة هي التي قادت لتأسيس مؤتمر الخريجين الذي جسد نضال الحركة الوطنية في السودان و كان الشيخ علي طالب الله عضوًا في أول لجنة لمؤتمر الخريجين ، وفي ذلك الوقت نشأت الدعوة لتكوين الحركة الأشقاء التي تدعو للوحدة مع مصر، وقد كان الشيخ علي طالب الله إتحاديا مقربا للزعيم الأزهري.
وبرز دوره في المؤتمر عام 1948 م وإبان مقاطعة الجمعية التشريعية وانتخب علي طالب الله عضوا من المؤتمر للهيئة الستينيه ونال ثقه عالية من رفقائه و هذه الثقة مع صفات اخري ميزته وجعلته مقربا للزعيم الازهري وفيما بعد اختاره الأزهري عضوا في اللجنة الثلاثية مع د. احمد السيد حمد ويعقوب عثمان عقب حوادث الجنوب المؤسفة عام 1955 م لتهدئه الخواطر بالجنوب، وكان لعلي طالب الله دور مشهود في النضال الوطني بخاصة أبان مقاطعة الإتحاديين للجمعية التشريعية وعندما اصدر مؤتمر الخريجين جريدته الناطقة باسمه والتي تعاقب علي رئاسة تحريرها الاساتذة محمودالفضلي وعلي حامد عليهم الرحمة اختير علي طالب الله مديرا للجريدة التي أشتهرت في حركة المقاومة للاستعمار وكان علي طالب يطبع المنشورات ضد الإنجليز بمنزله بأم درمان
تأسيس فرع الاخوان بالسودان:
جمع علي طالب في العام 1945 أول مجموعة للإخوان المسلمين في السودان وكان معظم هؤلاء من أبناء الختمية والأتحاديين فقد كان إتحاديا ولم تكن حركة ألأخوان حركة حزبية فلم يكن مستغربا الجمع بين الصفتين الإخوانية والإتحادية و وظل علي طالب الله متصلا بمجموعة الاخوان المصريين الذي تزعمهم المهندس محمد عاشور مسؤول الصيانة بالري المصري بالخرطوم، ولعل أول أسرة للأخوان كانت مشتركة بين سودانيين و مصريين، وحسب رواية أبناء الشيخ الذين رووا عنه أنه كان من ضمن أول أسرة عوض عمر الإمام، وحامد عمر الإمام. وكان عوض عمر إماما لمسجد أمد مان الكبير.
وهذه المجموعة الأولى بدأت تكوين جماعة الإخوان المسلمين في السودان، وشرع شيخ علي طالبان بتكوين شعب وأسر للإخوان المسلمين، وأعانه على ذلك تحركه الواسع في أطار لجنة الخريجين وكان غالب من جندهم هم من الخريجين الذين كانت تربطهم بهم علاقة، وذلك أثناء عمله في مؤتمر الخريجين، فقد كان الشيخ علي طالب الله مديرا لتحرير جريدة المؤتمر، وقد سبقت جهود شيخ علي طالب الله هذه قدوم وفد الإخوان برئاسة عبد الحكيم عابدين في عام 1952 للدعوة لمبايعة حركة ألأخوان وذلك بعد الثورة المصرية. بيد أن طلاب حركة التحرير الإسلامي يقوده بابكر كرار لم يرغبوا في مبايعة الاخوان فغالب المثقفين السودانيين أصبحوا يميلون نحو الاستقلالية للسودان وكذلك الإستقلالية لأحزابهم التى ارتبط بعضها أول أمرها بمصر مثل حركة الأشقاء و الحزب الشيوعي السوداني ،و بعد إتساع عمل الحركة سواء خارج الجامعة و داخلها شعرت الأدارة الإنجليزية بخطر الحركة وأنها أصبحت تكبر ويتسع نشاطها، وكثرت الدعوة لها في المساجد. وكان هنالك تحسس خاص من ارتباط الحركة بمصر فاتصلت الإدارة الانجليزية بالشيخ علي طالب الله وحذروه من الالتقاء بمحمد عاشور المهندس بالري المصري، بل عملوا على نقل محمد عاشور وأبعاده لمصر، ويوم سفر عاشور لمصر تجمع الاخوان في المحطة لوداع محمد عاشور وهتفوا ضد الإنجليز، وخطب الشيخ علي طالب ودعا لمقاومة الحكم الإنجليزي في السودان فقامت الأدارة الإنجليزية باعتقال الشيخ علي طالب الله. وبعد إعتقال استمر أشهراقاموا بتفتيش منزله وقالوا أنهم وجدوا مسدساً بين ملابس وأتهموه بالإعداد لإغتيال مستر روبرت هاو الحاكم العام آنذاك.وبعد إعتقاله لمدة أربعة أشهر جرت محاكمته في قضية المسدس وحكم عليه بالسجن عاما متضمنة فترة ال إعتقال. و أثناء سجنه زامل علي طالب محمود محمد طه الذي أعتقل بسبب مقاومته لقرار تجريم ختان الإناث ولكنه آظهر أراءه الشاذة في السجن وقد تقدم علي طالب للشهادة ضده في محاكمته الأولى بالردة في الستينيات والتي قضت بردته دون إيقاع عقوبة عليه.
وقد إشتهرت حادثة المحطة وقضية إتهام علي طالب بمحاولة إغتيال روبرت هاو ، عندما سمع الشيخ حسن البنا باعتقال الشيخ علي طالب الله، وحادثة وداع محمد عاشور، أرسل وفدا إلى السودان لمساندة الشيخ علي طالب الله، كما أصدر قرارًا بإعتبار الشيخ علي طالب الله المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان. بعد خروج الشيخ علي طالب الله من السجن واصل عمله مع مؤتمر الخريجين وبخاصة في تأسيس المدارس الأهلية، وكانت مجموعة من الخريجين قد قدمت إستقالاتها من الحكومة ليتفرغوا لإنشاء المدارس الأهلية وتوسيع حركة التعليم السودان ، وكان من بينهم وعلى رأسهم الشيخ علي طالب الله، وقد ساعدت هذه التحركات في تكوين جماعة الإخوان المسلمين في الأقاليم لأنه كان كثير الأسفار، وقد جاب أقاليم السودان كلها داعيا للتبرع للتعليم الأهلي، وكان أثناء حركته هذه ينشط في العمل الدعوي من خلال المخاطبة في المساجد والخلاوي، وعند قيام أول مؤتمر للحركة الإسلامية عام 1954م وكانت دعت له مجموعة الجامعة وقدمت الدعوة خارج الجامعة وفي الأقاليم لكن الشيخ علي طالب لم يدا بصفته مراقبا للإخوان فالحركة في الجامعة لم تعتبر نفسها جزءا من ألأخوان واعتبر بابكر كرار الاخوان تنظيما مستقلا ولذلك لم يدع علي طالب الله للمؤتمر ثم قيل أنه دعي بصفة عضو مراقب في المؤتمر فلم يحضر. وكما هو معلوم إنقسم المؤتمر حول قضية العلاقة مع الإخوان مما آدى لمغادرة بابكر كرار وثلة من الإخوان ليأسسوا الجماعة الإسلامية بينما أقرت الحركة إنشاء علاقة مع ألأخوان تقوم على التنسيق وليس على البيعة وظلت هذه القضية عالقة وآدت في سبيعنيات القرن الماضيي ألي أنشقاق المجموعة التي تدعو البيعة برئاسة الشيخ صادق بد الله عبد المساجد لتؤسس جماعة الإخوان التي لا تزال تعمل تحت هذه الأسم فرعا للحركة الأم في مصر والعالم العربي
أما الشيخ علي طالب وبعد المؤتمر فقد رفض أن يواصل في منصب المراقب للإخوان رغم أنه جاءه وفد من الإخوان المصريين مطالبا إياه أن يعود إلى منصبه مراقبا عاما للإخوان في السودان، وكان الأستاذ الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين آنذاك أرسل الوفد ليجدد تكليف الشيخ علي طالب الله لكن الأخير صمم على الإعتذار قائلا بأنه لا يريد أن يتسبب في انشقاق بالإخوان المسلمين في السودان وظلت علاقته الشخصية بأخوانه من جيدة للغاية حتى وفاته.
د.أمين حسن عمر