الخرطوم : الراية نيوز
إبراهيم عثمان يكتب :
من الخم الانتقالي إلى الخم الانتخابي !!
على صفحته بالفيسبوك أشاد الأستاذ عثمان ميرغني بعبارة للدكتورة مريم الصادق ( الانتخابات القادمة يجب أن لا تكون محل تخويف لأحد ) ووصفها بالعبارة الذكية التي تصلح كـ ( برنامج عمل ) .. وأضاف بأن هذا ( رد على البعض البخوف الأحزاب الصغيرة ويقول ليهم ” اصبروا يوم الانتخابات “.) وأضاف ( سؤالي.. كيف نجعل الانتخابات جاذبة وما بتخوف ؟؟ ) – وفي رده على تعليق من د. فتح الرحمن الفضيل قال ( يادكتور.. منو القال ليك الاصوات بتحدد الوزن؟ انا عملت مقترح ديمقراطية سودانية الاصوات تحدد 30% فقط من الوزن الانتخابي.. دي من تجارب الانتخابات منذ الاستقلال اللي كانت بتجيب نواب نوام .. ) ..
وكما هو واضح فإن الأستاذ عثمان يتجاهل الكثير من الحقائق التي لا تخفى على أمثاله والتي تجعل حديثه والدكتورة مريم عبارة عن تشويه للموضوع إن لم يكن تزويراً مكتمل الأركان، من هذه الحقائق.
▪️ الحديث عن الانتخابات لم يكن تخويفاً بقدر ما كان ردوداً على إدعاءات تفويض وتمثيل من هذه الأحزاب الصغيرة استغلتها لتجاوز صلاحيات حكومات الانتقال، ولإقصاء القوى الأخرى، وتهديدها، وتخويفها، والتنكيل بها .. إلخ ، وقد كان للأستاذ عثمان دوره في تغذية هذه الروح عند الأحزاب الصغيرة بحديثه في أحد مقالاته في بداية الفترة الانتقالية عن امتلاك الحكومة ( لتفويض ثوري فوق انتخابي ) يخول لها صلاحيات أكبر من صلاحيات الحكومات المنتخبة !!
▪️ حزب الدكتورة مريم نفسه لم يسلم من أذى التضخم الكاذب للأحزاب الصغيرة،، وقد اقترح الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة الانتخابات كآلية لحسم الصراع على مقاعد الولاة بين حزبه و( ناس قريعتي راحت ) إذا قالوا (كاني ماني ) وأخذوا أكثر مما يستحقون على حساب حزب الأمة .. . فهل ترى الدكتورة أن والدها كان يمارس التخويف بالانتخابات أم كان يرد رداً موضوعياً على تضخم الأحزاب الصغيرة ونزوعها للتكويش ؟
▪️ والأستاذ عثمان نفسه كان قد كتب مقالاً تعليقاً على حديث الإمام تحت عنوان ( أي ” كاني.. ماني” !!)،.. لم يتهمه بممارسة التخويف وإنما استنتج أن (التلويح بالانتخابات المبكرة يُفهم منه أن بعض الأحزاب ترفض الانتخابات ويزداد رفضها أن تكون “مبكرة”.. وكأني بها قدر تتحسبه و مصيبة تجتهد في تأجيلها) ..
▪️ وأضاف ( ولا حرج في ذلك طالما أن المنطق هنا هو الابقاء على حالة “التأسيس” لحين استكمال بنيان الدولة السودانية ثم الانتقال إلى التداول الانتخابي للسلطة، ولا أقول ذلك تأييداً لهذا المنطق وإنما لتوثيقه ) !
▪️ وقبل ذلك كان الأستاذ عثمان كان قد أكد أن الأمر يتعلق بالخوف لا التخويف، جاء ذلك في مقال تحت عنوان ( الانتخابات.. تهديد لمن؟ ) كتبه تعليقاً على مطالبة الرئيس الفرنسي في مؤتمر باريس بالعمل على التحضير للانتخابات، حيث كتب ( وما أن تُذكر سيرة الانتخابات حتى يتحسس البعض مسدسه ) وأضاف ( عند البعض الانتخابات أداة يجب أن تكرس السلطة، فإذا ما لاح في الأفق هاجس خسارتها تصبح رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه) ، و( من هذا المنطق تصبح دعوة الرئيس ماكرون – للانتخابات – تهديداً مباشراً للبعض، ومؤازرة سافرة لآخرين) .. وأضاف ( من العسير توقع أن توفر الأصوات الجماهيرية المباشرة تفويضاً جديداً للحرية والتغيير ) وعزا ذلك لسبيين أولهما أوزان أحزاب الحكومة وثانيهما أداءها في الحكم ..
▪️ وقد حدد أصل العلة حين تساءل في ذلك المقال ( هل يمكن لحزب حاكم، في هذه الحالة الحرية والتغيير، أن يقبل أو يعمل طوعاً في إضاعة السلطة من بين يديه بانتخابات لن تأتي به ) ؟
▪️ واقترح الحل المعقول الذي يتمثل في الابتعاد عن عقلية ( يا غرق يا جيت حازمها ) و ( النضج السياسي ) الذي يجعل الأحزاب ( تفكر في مصلحة البلاد الكلية بعيداً عن المصلحة الحزبية المباشرة ) ..
▪️ لكن – كعادته في التقلب – عاد وحمَّل المشكلة للشعب، واقترح حلاً يتعالى عليه، ويفترض جهله وعدم أهليته لاختيار ممثليه ( ٣٠٪ فقط لأصوات الشعب ) !! في انحياز سافر لهذه الأحزاب ومحاولة للخم الانتخابي، والمقترح لا يشرح كيف سيوزع الـ ٧٠٪ .
الأولى أن يترك الأستاذ عثمان اقتراحاته العبقرية بخصوص الخم الانتقالي والخم الانتخابي، وليبحث عن إجابة لسؤال حقيقي : كيف نجعل ما تبقى من الفترة الانتقالية غير مخيف ؟، كيف نعزز الحريات السياسية للتمهيد لانتخابات حرة ونزيهة ؟ كيف تتفادى تكرار أن تصدر الصحف المناصرة للحكومة الانتقالية بمانشتات من شاكلة مانشيت “التيار” ( الوحدات النظامية تتأهب لمنع إفطار هيئة العمليات ) ؟ وكيف تساهم في تعزيز الحريات ومراقبة الحكام لا في تحريضهم والتطبيل لهم واعتبار الإفطارات جريمةً : ( في تحدٍ واضح للقانون ) كما جاء في متن خبر “التيار” عن الإفطار المذكور، وحتى لا يكون المانشيت في اليوم التالي كمانشيت التيار ( إصابات ودماء خلال فض الشرطة لإفطار جماعي بالخرطوم ) .. فالحكومات التي تسيل الدماء بسبب إفطار لن تكون مؤهلة لرعاية حريات سياسية حقيقية ولا لتنظيم انتخابات حرة نزيهة .
إبراهيم عثمان