الخرطوم : الراية نيوز
حسين خوجلي يكتب :
هدية الجمعة
كان لنا صديق في كلية الآداب قسم الفلسفة صاحب موهبة وحذق في جمع الأفكار والأقوال المثيرة للجدل للحكماء والفلاسفة والمشاهير. وكانت له كراسة متداولة بيننا بشغف، ومن المعهود عنه اختياراته الجريئة لعناوين هذه العبارات، وأقوال الحكمة والتدبر والمعاني. فدائماً ما كان يصيح بيننا لقد وجدتُ عبارة (مدمرة) لديكارت، أو أبيات (راعدة) للمتنبي، واعترافات (فاجعة) لاسبينوزا، وإضافة (مقلقة) للغزالي.
وفي أحد الأيام ونحن سكوت بعد محاضرة صعبة في نقد العقل الخالص لكانت، وقف وصاح بصوته الجهير أرجو أن تستمعوا لهذه الحكاية المزلزلة للإمام علي رضي الله عنه ودعكم من هرطقات هذا الخواجة المضطرب وبدأ في قراءة النص بصوتٍ حزين ورصين وصحيح قال الشاهد: إن سيدنا علي رضي الله عنه لما أشرف على القبور وهو راجعٌ من صفين أنه قال لساكنيها:
(( يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحدة، يا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق، ونحن لكم تبع لاحق. أما الدور فقد سُكنت، وأما الأزواج فقد نُكحت، وأما الأموال فقد قُسمت. هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم ؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أُذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى ..))
ومن هذه الأحدوثة المباركة الشديدة التأثير والاعتبار نختار لواقعنا السوداني المأزوم والذي كاد جسده المثقل بالجراح أن يتدحرج صوب حافة القبر نقول: يا أهل السودان أما الدور فقد بيعت بغرض الهروب والهجرة، وأما الأزواج فقد طُلقت، وأما الأبناء فقد شُردت، وأما الأموال فقد بُددت في قطعة الخبز وجرعة الدواء وتذكرة الانتقال واقفال الأبواب خوف الاقتحام والبندقية خوف الانتقام، هذا خبرُ ما عندنا فما خبر ما عندكم؟
أما رد المقبورين فلن يبلغ آذانكم ولا أفئدتكم لأن حاديكم في الوطنية الصليبي البعثي ميشيل عفلق، ومفتيكم في الحكمة اليهودي الملحد كارل ماركس، أما داعيكم للنصيحة فهو النصراني فولكر بيرتس عميل المخابرات الألماني الذي ما حل بأرضٍ حتى نزل عليها بالنار والدم والبوار وما سوريا الجريحة ببعيدة، فطوبى لكم بالبكري وشرفي وحمد النيل.