الخرطوم : الراية نيوز
تابعت اليوم باهتمام الندوة التي عقدتها قوى الحرية والتغيير في مقر التجمع الاتحادي ، وتحدّث فيها عدد من قياداتها، وفي تقديري ان هذه الندوة واحدة من اهم الندوات التي عقدت مؤخراً ، وقد طرحت قوى الحرية والتغيير عبرها رؤيتها حول عدد من الموضوعات وعبّر المتحدثون بإسمها بوضوح في هذه المرحلة المفصلية والهامة من تاريخ البلاد عن رؤيتها وتوجهاتها المستقبلية ، وهذه خطوة بلا شك تستحق الثناء ، لانها تسهم في طرد الضبابية التي تغطي الملعب السياسي ، وتحجب الرؤية السليمة عن الكثيرين …
كان لافتاً للنظر من بين الموضوعات التي طرحت في هذه الندوة رؤية هذا التحالف السياسي لمستقبل الجيش ، حيث قال القيادي البارز والمهم في حزب الامة صديق المهدي أن الحرية والتغيير تعمل على تأسيس جيش وطني ومهني ، قال ” تعمل ” وليس ” ستعمل “، وهذا يعني ان الجيش “الحالي ” لا محل له في مستقبل البلاد ، وقوى الحرية والتغيير ” تعمل” الان على اعداد البديل له!!
ثم تحدثت الشخصية المفتاحية في الحرية والتغيير الان ياسر عرمان ، الذي في تقديري فسّر كلمة ” تعمل ” التي قالها المهدي ، حين أعتبر : ” ان الدعم السريع قوة لبناء الجيش الوطني..” ، وهذا تأكيد آخر على عدم اعتراف التحالف السياسي المعروف بقوى الحرية والتغيير بالجيش القائم ، مع استدراك عرمان انهم يستثنون قوات الدعم السريع التابعة لهذا الجيش – بحسب تصريحات القائد العام للجيش وتأكيدات قائدها – ، لأنها تملك حسب وجهة نظر التحالف الذي يتحدث بإسمه من المهنية والقوميّة ما يؤهلها لتكون نواةً للجيش الوطني الجديد .
هذا الوضوح مهم.. ومهم للغاية في هذه المرحلة تحديداً ومهم للتاريخ ، لا املك إلا ان احترم هذه الرؤية فهي رأي بعبِّر عن كيان سياسي يضم عدة احزاب وجهات وافراد .. على راسها حزب الاستقلال ..حزب الامة ، وبالتأكيد لهم حيثياتهم التي بنوا عليها هذه الرؤية بعد تجربة شراكة استمرت لثلاث ستوات مع العسكريين.
لقد كان الحديث في السابق حيياً ومُطلقاً بلا مرجعيّات او حمّال أوجه عن تفكيك الجيش ..أو حل الجيش .. لكن لم يكن هناك طرح جرئ وواضح كما حدث في هذه الندوة ، وفي السابق لم يكن هناك حديث او اشارة محددة للبدائل في حالة تفكيكه او حله ، الان هناك بديل مطروح … وهذا تطور لافت وخطوة تؤسس لموقف استراتيجي ولاشك انها خطوة مدروسة وبالضرورة متفقٌ عليها داخل تحالف مكونات الحرية والتغيير .
أهمية هذه الندوة تكمن في أنها تفتح الباب لحوار وطني كثيف وغير مسبوق حول مستقبل الجيش من قبل القوى السياسية وهو نقاش افسح له قادة الجيش المجال وعليهم القبول بما يترتب عليه ، وفي الساحة الان ثلاثُ اراء مطروحة حوله ، الراي الاول يرى اهميته وضرورته ويدعمه بلا شروط ويدعو للحفاظ عليه ، وللمفارقة فإن المجموعات التي تتبنى هذا التوجه يكاد قادة الجيش يتحاشونها ويعادونها وأحياناً يستغلونها !! حتى بدأت تتحول لمقاعد المتفرجين ، والرأي الثاني تتبناه المجموعات التي كانت للمفارقة حليفة لقادة الجيش الذين اعتبروها حليف مُريح ومناسب !! وترى هذه المجموعات الان ان الجيش الحالي ليس جيشاً وطنياً ولا مهنياً وينبغي تفكيكه وحله ومحاكمة قياداته ، وهي تتحرك بهمة و” تعمل” كما يبدو لتحقيق رؤيتها ، وتدعمها في هذا الخط جهات دولية واقليمية تقتضي مصالحها غياب المؤسسة الحالية واستبدالها ، وهناك راي ثالث موضوعي يضم أطرافاً متباينة التوجهات لكنها تتفق في ان هذا الجيش جيش وطني ومهني ولكنه بعد مائة عام على تأسيسه أصبح بحاجةٍ لاجراء اصلاحات جوهرية وينبغي ان يتم ذلك بصورة شفافة وممرحلة بحيث لا تؤدي لإضعافه او إنهياره..باعتباره المؤسسة الوحيدة المتماسكة في هذا البلد الهش!!
ولذلك فإن هذه الندوة بهذا المستوى من وضوح الرؤية الذي تم فيها ستفتح كذلك أُفقاً مهمة للحديث عن مستقبل الدولة السودانية ، هناك الان نقطة تصلح كي يبدأ منها نقاشٌ سياسيٌ واستراتيجي مهم … ومعلومٌ بالضرورة انه لابد لكلِ فعلٍ من نقطة بداية !! ..ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة !! الان هناك من مشى مشكوراً الخطوة الاولى في هذه المناقشات والعصف الذهني المطلوب ، وسيكون هذا نقاشاً مهماً سيؤثر على مستقبل اكثر من 40 مليون نسمة هم المنتمون لهذا السودان جميعاً ، وبالدرجة الاولى المقيمون فيه ، الذين من المهم ان يفكروا في انفسهم و أمنهم واستقرارهم ومستقبل ابنائهم وعليهم ان يطرحوا على انفسهم سؤالاً مهماً وهو : هل وجود الجيش مهم لهم ام غيابه افضل لهم ؟! .
وينبغي على ” أهل المصلحة الحقيقيين” القابضين على جمرِ الولاء والوفاء والبقاء في هذه الأرض والذين لا بديل لهم عنها ، الا يدعوا النخبة السياسية تحتكر هذا النقاش ، فهذه النخبة بلا استثناء تملك فرصاً لخيارات بديلة كما انها تملك شبكة علاقات تؤمن بها مستقبلها ، وهو ما يجعل احتكارها لنقاشٍ بهذه الاهمية خطراً على مستقبل الدولة واستقرار وأمان الشعب !! ولذلك على ” اصحاب المصلحة الحقيقيين ” المشاركة وبقوة في هذا النقاش التأسيسي والذي سيفتح الباب لنقاطٍ اخرى ربما يتفق الجميع لاحقاً انها جديرة بالتناول .
سناء حمد