الخرطوم : الراية نيوز
دكتور ياسر أبّشر يكتب :
السودان بين خياري الفناء والبقاء
طرق صديقي عبدالحافظ باب منزلي الساعة السابعة والنصف صباحاً وفوجئت بزيارته في ذلك الوقت المبكر في أميركا . كان هذا عام 1985 . رحبت به ودخل ، ومباشرة قال لي إن النميري اعتقل الاخوان المسلمين لكن هذه نهايته. كانت هذه الخلاصة غريبة من عبد الحافظ فما هو بسياسي . سألته لماذا ؟ فقال لي : لقد زاملت الأخوان المسلمين في جامعة الخرطوم ، وأعرف أنهم لن يسكتوا على هذه الفعلة من نميري ، وهم في السياسة لا مثيل لهم في السودان ، وانت تعرف أنني لست منهم لكنني أفهم في السياسة . ثم أضاف : أضاف الاسلاميون هيبة لنظام نميري ، لكنه أصبح الآن بلا سند ، وما الاتحاد الاشتراكي إلّا Scare Crow – قالها بالإنجليزية – وتعني خيال مآتة أو فزاعة.
وصدقت نبوءة عبدالحافظ . وكانت نبوءته رجاءً وأملاً في الإسلاميين ولم يكن منهم لكنه ما كان محباً لنميري .وكان تحرك الإسلاميين ضد نميري ، بما في ذلك تحريض سوار الدهب للوقوف مع الجماهير من فعل الإسلاميين . حدثني بهذا أحد أقارب سوار الدهب الذي جاءه أحد قادتهم ليلاً لينقل له رسالة مفادها :
نحن حريصون على استقرار هذا البلد ، ولكن إذا لم تدعموا انتفاضة الجماهير ضد نميري فلا تلوموننا !!! وقال لي إنه نقل تلك الرسالة المُنذِرة فوراً تلك الليلة لسوار الدهب !!! .
وهذه الأيام انقطع الرجاء من الحاكمين ، وقبلها انقطع الرجاء من أحزاب ما يسمى أربعة طويلة وناشطي قحت. فقد أذاق هؤلاء تحديداً الشعب الأمرين. وثبت أنهم بالتجربة عراة. عراة من رؤية مُنقذة . وثبت فسادهم عبر لجنة التمكين ، وها هي النيابة تطارد بعضهم. تطارد حتى ذلك الذي وقع على الوثيقة الدستورية ، والذي كان نكرة لم يسمع بها أحد واسمه أحمد ربيع. ” نَكَتَه ” الشيوعيين من أقبيتهم ، ونصبوه مديراً لمستشفى المعلم ، والأخبار تترى أنه عبث بها فأفسد وأكل مالها وهرب للقاهرة . وحتى أكبر ممثلي الدراما السوداء فيها ذلك المسمى وجدي الذي أصاب أحمد محمد خير بالأرتيكاريا معتقل بالفساد . وتقرير المراجع العام جسّد خزي القوم و ” جَحَمِهم ” كفعل الذئاب المسعورة إزاء المال العام والخاص !!
اليوم رأيت فيديوهات عجبا . رأيت ” شُفّع ” دون العشرين -هم سواد مظاهرة الأمس الأعظم – الذين يتظاهرون من أجل ما قالوا الدولة المدنية ، رأيتهم يتزحلقون في زُحليقة لعب الأطفال في قصر الشباب !!! هؤلاء هم الذين يريدون تحديد مسار البلاد !!!
ورأيت فيديو لرجل في أواخر الخمسينات من عمره يضع مسبحةً على عُنُقِه ، وهو وسط صبية مظاهرة الأمس ، ويحمل كرتونة ممزقة ويقول للصبية ” أنا كتبت وصيتي وودعت أولادي ووزعت مالي وجيت ……. ما الموت ده !! كفاكم موت ،نموت نحنا الكبار ديل ……. ” وصدّق الصبية الأغرار هذه التمثيلية القذرة السمجة فطفقوا يطلقون صفيرهم وبنات يزغردن !! . رجل في هذا العمر يُغرر بصبية أصغر من أبنائه ويحرضهم على مواجهة الموت ، ثم يتسلل خِلسةً من بينهم ، ليتركهم في نشوة تمرد ضد قوات الأمن يحصبونها بالحجارة ويحرقون سياراتها ويخربون الطريق وينقضون الممشى بجنباته. المؤسف أن هذا الرجل يمارس تطبيقاً لمهنته فهو استاذ شيوعي بكلية الدراما قيل أن اسمه أحمد الدايرة. يمارس خداع صبية أغرار ، فيا للعار ويا للشنار .
آلَ أمر البلد لدراما سوداء ومسرح عبث دموي ، تداعت فيه كل قيمة ، بل تداعى كل شيئ .
وبكل الأمانة أقول إنني ما تحدثت لعاقل إلّا تَمنّى عودة الإسلاميين والوطنيين للحكم كرةً أخرى . أسف كثيرون من الذين شاركوا في ( الثورة ) على ما جنوه على البلد . العقلاء الذين تحدثت معهم يرون في الإسلاميين والوطنيين الملاذ والمنقذ من الضياع . كل الناس يقارنون بين عهد الإسلاميين والوطنيين في الحكم وفساد القحاتة وفشلهم . فالإسلاميون لم يحكموا منفردين ، بل شاركهم كثيرون من الوطنيين . قال لي أحدهم إن من يندفع للموت أو يدفع بابنه أو اخيه للشهادة لا يمكن إلّا أن يكون وطنياً مُخلِصاً ، وأضاف : كفي الإسلاميين والوطنيين فخراً أن لم يكن أحد فيهم يفخر بالوقوف على أعتاب السفارات ” سفارة سفارة ” ، ولم نجد بينهم عميلاً كما يفعل قوم قحت .
لكن هؤلاء مع الغربيين يأتمرون بالإسلاميين . الوثيقة التي أعدها الغربيون وتبنتها تسييرية المحامين بالدولار تنص على عودة لجنة التمكين . ورغم أن من عاد لوظيفته أعادته المحكمة العليا لكنهم يدأبون لإعادة ما قررته لجنة التمكين ، وهذا يعني أنهم سيفصلونهم غير عابئين بما أقرته أعلى محكمة في البلاد !! وفي الحقيقة لم تفصل لجنة التمكين الإسلاميين وحدهم فقد فصلت ألوف من غيرهم .
الغربيون يكرهون الإسلاميين وقبلهم يكرهون الوطنيين . لقد دبرت مخابرات الغرب إنقلابات في بلاد عديدة حول العالم ضد وطنيين . الغربيون وكذلك ود زايد وود سلمان يكرهون الوطنيين لأنهم ” ما بقعوا في الأيد ” !!! ولدى كل هؤلاء يستوي في بلادنا دكتور السيسي ومسار وحسن اسماعيل وموسى هلال ، مع كرتي وغندور وأحمد هارون وعوض الجاز .
وفي حالة اللّا دولة التى خلقها حكام يشتكون ” فشلنا فشلنا فشل ذريع ” بدل أن يُشتكي لهم ، ويعجزون عن إزالة ” العَوَج ” الذي أودى بها ، فغدت تُنْقَص من أطرافها بحروب ومجازر ، ويعبث بها السفراء ، وتنهار مرافقها ويستهدف جيشها ، أصبح نهوض الوطنيين والإسلاميين أمراً لازماً جازماً .ولدى كلا الوطنيين والاسلاميين من القدرات والكوادر واللافتات والصلات ما يجعل الأرض تميد تحت أقدام السفراء وعملائهم ، فهؤلاء انفض سامرهم ” وفاتهم القطار ” كما قال علي عبدالله صالح . ثم هم شرذمة قليلون ما ينبغي للوطنيين أن يدعوهم يتمادون في غيهم وفسادهم. كفى هذا البلد ما أصابه منهم من بلايا ورزايا . كفاها هواناً أن يفكروا مجرد تفكير في تنصيب نصر الدين عبد الباري – الذي لا يعرف من أي بلدٍ لجأ إلينا – رئيساً للوزراء !! إن لم يقم القادرون على التمام بواجبهم ، فليستعدوا لما سيحيق بهم وهم قعود .
♦️ياسر أبَشر
——————————
26 أكتوبر 2022