الخرطوم : الراية نيوز
دكتور ياسر أبّشر يكتب :
“الألمانية”.. وعم الماحي.. وحميدتي
جارنا – وقتها – وسأسَمّيه عم الماحي – صاحب الدكان، رجل طيّب القلب، شهم.. كان عم الماحي يحب الحديث في السياسة.. لم يكن الرجل متعلماً، ويتخذ مواقفه من القوى السياسية ومن السياسيين وفق قدراته هو.
ولقلبه السليم كنت أحبّه، وكنت أستجيب لدعوته إياي بالجلوس معه في برندة الدكان. وكان هو يرتاح لذلك، ويشرع في الحديث في السياسة، فهو يعتقد أنه بها عليم وبدهاليزها عارف، ولا يحصر حديثه في سياستنا الداخلية، بل يتناول حتى قضايا السياسة الدولية.
ونظرا لسِنّه كنت أوافقه الرأي في كل ما يقول، وزاد هذا من محبته لي، فالكبار لا يحبون الشباب الذين يخطّئونهم.
أذكر مرة أنه قال: إن ناس الجبهة، الإسلاميين، مخطؤون في معارضتهم “للألمانية”، وكان يعني العلمانية!!! وحاولت أن أشرح له عيوب “الألمانية” فغضب، مما اضطرني أن انسحب من النقاش بهدوء!! غضب، لكنني أعلم صفاء طويته، وكم سمعته يضحك ويردد: “إلّا من أتى الله بقلب سليم”.
تذكرت عم الماحي ذلك الرجل الطيب الأصيل وأنا أتذكر أن حميدتي قد قال: إن الناس “سواسيو”.. وما دام الناس “سواسيو” وليس سواسية، فالألمانية هي العلمانية، فكلو عند العرب صابون.
والحال كهذا، فقد ظُلِمَ عم الماحي بأن لم يُجعل الرجل الثاني في الدولة/ اللّا دولة الآن.
ولأن حميدتي – مثل عم الماحي- لا يعرف الفرق بين الألمانية والعلمانية فقد وافق على مسودة دستور وضعتها منظمة PILPG وجعلت العلمانية لُحمتها وسداها. ولعجزه في القراءة – وخاصة قراءة مادة بها مفاهيم فكرية كالعلمانية- وافق عليها، فهذا ما يريده سيده ابن زايد والسفراء الخواجات الفاهمين!!!
وتلك كانت وصاة شخص يستشيره ويثق حميدتي أن وصاته في السياسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ذلكم هو عرمان الحكيم !!
لكنني أعتذر إليك اليوم عم الماحي.. أعتذر إليك لأننا لم نبوئك المنصب الذي تستحقه.. نعم تستحقه، فلم يعد من شروطنا تلقي تعليم ولا حتى إجادة القراءة.
وأعتذر إليك لأنك لا تكذب بأمر دينك فتقول: “الدين خط أحمر” ثم توالي من يبيح الخمر ويتساهل مع الزنا، أو تتغاضى عن فحشاء قوم لو/ط.
أعتذر إليك عم الماحي، لأنك لم تبع شرفك لابن زايد بدراهم، لتشتري بما فاض من ماله الذمم وتفسد به حياتنا السياسية.
أعتذر إليك لأنك تتحرى الحلال في رزقك، ولم يُعلم عليك تلقي مال سُحت تفسد به حياةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان.
أنت يا عم الماحي تحيط نفسك برجال أخيار فيهم شيخ عبد الباقي ود المجذوب، وحفيد عبد الله ود جاد الله، كسار قلم ماكميك، وحتى بروفسر ود العبيد يجلس يؤانسك في برندة دكانك. ما فيهم قاتل أو مأجور أو من باع ذمته وخان وطنه.. ما فيهم من يصادق سفيراً ليصبح له عميلاً ولا شيخ بترول يبتغي لديه الوسيلة لقاء دريهمات تدمر وطناً ويُكوى بها جنبه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
عم الماحي يكره الرجل المتذبذب ذا الوجوه المتعددة، الذي يلبس لكل حالة لبوسها.. يكره الذي يتحدث عن حرمة الدماء لكنه لا يتورع عن قتل مائة وخمسين شاباً يجدهم متجمعين في مكان واحد، بل يتخذ قاتلاً معروفاً مستشاراً له.
يكره الذي يتحدث عن الأخلاق والرجولة، لكنه يصادق الذين يدبرون لوجود منظمات قوم لوط في البلد.
وكلما ذكرت هذه الأنماط يبادر عم الماحي بالدعاء عليهم قائلاً: “الله يلعن الراجل الباطل”!!
بفطرته السليمة كان عم الماحي يفرق بين الحق والباطل، وبين الخطأ والصواب، وبين الحرام والحلال.
لم يتلوث عم الماحي بشيء.. ولم يدع نفسه نهباً لنزوات آخرين، يعطونه مالاً فينفذ رغباتهم ولو كانت مما يأباه الطبع ويناقض الحق وترفضه الفطرة السليمة.
ظلمناك يا عمنا . أنت رفيع الأخلاق مثل أعمامنا الأصلاء ، لا تعرف دسّاً ولا وقيعةً ولا تآمراً .
كنت الأنسب للمنصب الرفيع يا عم الماحي لكننا ….. وآه من لكننا.
ياسر أبّشر
——————————
12 ديسمبر 2022