دكتور ياسر أبّشر يكتب :
حين شقّ الجهلُ في الأرضِ دُرُوبا
سئل مصري عما إذا كان يعرف الخليفة هارون الرشيد؟ فقال:
آه أعرفو.. ده مش الجدع (القدع) الأسمر الأكلو الحوت، وربنا نزل فيه قرآن قال (آل) يا نار كوني برداً وسلاماً على عيسى بن أبي طالب!!
استنكف الرجل أن يعترف بجهله.. وكذلك أمر كثير من الجهلة، لا يعترفون بعدم المعرفة.. وهكذا يدّعُون معرفتهم بكل شيء!!
قرأت أن ڤولتير Voltaire لخّص أحد هؤلاء بقوله:
«لا شك أنه جاهل جداً؛ لأنه يُجيب عن أي سؤال يُسأله»!!
«He must be very ignorant ,for he answer every question he is asked».
هل سمعنا أن حميدتي قال يوماً: لا أدري؟؟ وهل ثمة عيب أكبر من عدم إرادة التعلم من كل التجارب التي مرّ بها الرجل!!!
لا أجد شيئاً مريعاً أكثر من الجهل النشط، Ignorance in Action.
ولا شيء أخطر من الجهل المخلص، مقروناً بالعمالة.
والأخيرة هي ما اعترف بها حميدتي نفسه في آخر أحاديثه. أليس هو القائل:
«صحي في تدخلات.. كان قلنا: ما في تدخلات، كضبنا، كان قلنا: ما مسيرانا السفارات، كضبنا.. لكن دا بإرادتنا نحن.. وبطوعنا نحن.. وباختيارنا نحن». يقول ” بإرادتنا”، وقبل أيام قال إنهم وقعوا على الاتفاق الإطاري “كراعنا في رقبتنا”.
وهذه المرة فضح الكل بطريقة عائشة الفلاتية: «أنا والكاشف أخوي ما بنعرف نقرأ».
فهو هنا يتحدث بصيغة الجمع.. والجمع يشمل البرهان، إذ يستحيل أن يُصرّح بهذا الاعتراف من غير علم رئيسه البرهان أو ثقته ومعرفته أن البرهان مسيّر مثله. وحديثه هذا مناقض لحديثه القديم الذي ذَمّ فيه الذين يتلقون رواتبهم من السفارات، وعرَّض بفضيحتهم، ونفى عنهم الوطنية.
لكننا نراه اليوم وقد (ركب معاهم في سرج واحد)، ربما لظَنِّه أن الموت من جملة جماعة العملاء عرس.
العمالة خيانة. لكن المشكلة أن عملاءنا الخونة هم حكامنا: يا رجال الحكم يا من قد فَسَدْ، من يُصلح الحكم إذا الحكمُ فسد؟؟
والعمالة والدعارة “بنات حُفرة”، وكلتاهما لا يمكن الإقلاع عنهما. وقد قلت سابقاً إن العاهرة تمتهن القوادة إذا دارت الأيام دورتها وأذهبَ الدهرُ منها زهرة الجَسَدِ.
أصلاً ما كان لديَّ شك في عمالة حميدتي والبرهان والقحاتة، أحزاباً أو جماعات ولافتات، لكن الاعتراف سيد الأدلة.. كلهم “تسيرهم” سفارات الإمارات والسعودية والسفارات الغربية وعلى رأسها الأمريكية والبريطانية باعتراف الشريك حميدتي.
على أن المؤسف أن حميدتي لا يزال يفتي..
لا يزال يتهم آخرين «بالمتاجرة بالدين»..
ببغاء ينعق بما يقوله له عرمان وزمرته المعادية للدين.
وعلى ذِكْرِ المتاجرة بالدين، التي وَعَظَ بها حميدتي، هل تذكرون قصيدة أحمد شوقي التي كانوا يدرِّسوننا إياها في الابتدائية:
“بَرَزَ الثَعلَبُ يَوماً
في شِعارِ الواعِظينا
فَمَشى في الأَرضِ يَهذي
وَيَسُبُّ الماكِرينا
وَيَقولُ الحَمدُ لِله إِلَهِ العالَمينا
يا عِبادَ اللَهِ توبوا
فَهوَ كَهفُ التائِبينا
إلى أن يقول أمير الشعراء:
مُخطئٌ مَنْ ظَنّ يوماً أنّ للثعلبِ دِينَا”
لكن هل لحميدتي ذكاء الثعلب؟؟؟
ترى هل سمع حميدتي بأول دعوات الفصل بين السلطتين الدينية والزمنية في القرن الثالث عشر في أوروبا؟!
أم تراه سمع بباروخ اسبينوزا وفكره حول العلمانية في القرن السابع عشر؟!
أم تراه قرأ لجون لوك John Locke ومدرسته الفكرية المعروفة باسم التجريبية البريطانية British Empiricism، وتطورات الفكر العلماني بعده؟!
أو لعل حميدتي قرأ عن صراع الكنيسة مع العلم وما لقيه جاليليو؟!
لعل حميدتي وكذلك البرهان تابعا كل هذه التطورات في أوروبا إلى عهد الثورة الفرنسية، حين صرخ روبسبيير:
«سنشنق آخر ملك بأمعاء آخر قسيس» وما رافق ذلك من قتل الألوف بالمقصلة.
لكن هو حميدتي بعرف «مقصلة» يعني شنو؟؟
أستغفر الله من استصغار خلق الله، فالناس كلهم «سواسيو».
ولأن حميدتي والبرهان علماء في مقارنة الأديان فقد وصلا لخلاصة مفادها:
أن في الإسلام سلطة دينية فرضت صكوك الغفران وأعطت البشير «الحق الإلهي للملوك»، وحكمت بقتل بروفسر مأمون حميدة لأنه قال: إن الأرض كروية.. ولولاهما وثورة ديسمبر المجيدة لحكم عليه الشيخ بروفسر عصام البشير “بالحرمان الكنسي” excommunication!!! ولتحلل جسد البروفسور في قبره ولصارَ بترولاً الآن.
ودلّهما علمهما الديني الوافر على ضرورة إقامة “محاكم التفتيش” Inquisition، فأقاماها بمعاونة علماء قحت، ولتواكب العصر أطلقا عليها “لجنة التمكين“، وعاقبت “بالهرطقة” كل من يُخشى اعتقاده بفكر إسلامي ضلالي متخلف، ولا ينسجم مع آراء مفكر العَصر الحديث محمد بن زايد!!!
ولأنهما عالِمَان على مذهب السلفيين السعوديين في إطاعة ولي الأمر: ود سلمان وود زايد وفولكر، والسفيرين القمرين النيّرَين الأمريكي والبريطاني.
وحيث إنهما كعالِمَين، ورهطهما من علماء قحت، وصلوا لتلك الخلاصة، فنحن العامة لا نملك إلّا أن نهتف:
«مدنيااااااو»..
وإن شاء الله ما نخالف الوليان، كما كانت أمّي، عليها شآبيب الرحمة والغفران، تقول.
ياسر أبّشر
——————————
3 يناير 2023