دكتور ياسر أبّشر يكتب :
الدور الخارجي في إسقاط البشير (1)
يقول الراوي: كان في مدينة الهلالية شيخٌ وقورٌ عالمٌ تخرج في الأزهر يسمى شيخ عبد النور.. وكان شيخ عبد النور رجلاً مثقفاً، ويقدم درساً دينياً كل يوم في المسجد.. وكان معظم من يحضر درسه من كبار السن.
وفي يوم من الأيام حدّث شيخ عبد النور سامعيه عن الشيوعية، ولكن بعضاً من الحضور لم يستوعب الدرس. بَيْدَ أنّه يعلم أن الشيخ عالم أزهري ولا يقول إلّا خيراً فهو يثق به وبكل ما يقول.
ولما انتهى الدرس، والحضور خارجون من المسجد حضر متأخراً شيخٌ ممن كان يداوم على حضور الدروس، وسأل أحد الحاضرين عن الدرس، وكان من الذين لم يفهموا حديث شيخ عبد النور. لكنه يثق أن الشيخ لا يتحدث إلّا فيما هو مفيد، فأجابه: كان درس اليوم عن الشيوعية.. يا سلااااام.. والله نِعْمَ الشيوعية، ونِعْمَ الشيخ عبد النور!!!
ولم يكن كثير ممن كان يصيح إبّان (الثورة) مطالباً بالمدنيااااو، مختلفاً عن ذلك الشيخ الذي قال: يا سلااااام، والله نِعْمَ الشيوعية ونِعْمَ الشيخ عبد النور.. صاحوا بها ظانين أنها نقيض العسكرية!!!
العجيب أنني وجدت بعضاً من الشباب التركي الذين جندهم يهود الدونمة فعارضوا السلطان عبد الحميد، ينادون مطالبين بالمدنياااااو!! حدث هذا قبل 114عاماً!!!
ولعل طول مُكْث الحاكم في الحكم مما يغري غرماءه به، فيكثر داعموهم، ويسهل عليهم شحنهم بما لا يدركون كنهه، ليحتجوا عليه، للإطاحة به.
وغَدَا بدهيّاً أن من كان وطنياً لا يطيع الغرب من الحكام، وأن من يرفع شعاراً إسلامياً، يستدعي لنفسه عداوة الغرب، حتى وإن كان ديمقراطياً ووصل للحكم بطريقة ديمقراطياً.
ومن سوء حظِّهِ أن البشير (في نظر الغرب) جمع بين (السوأتين).. جمع #البشير بين سوأة الوطنية وسوأة الإسلامية!!! هذا من غير أن ندّعي أنه لم يُخطئ، وأنه كان من الملائكة الأطهار.
اهتمّ الغرب جداً بنظام البشير، وكتبوا عنه كتباً وبحوثاً ودراسات كما لم يكتبوا عن نظام حكمٍ قبله في #السودان.. ورصدوا خلال ثلاثين عاماً مليارات الدولارات للإطاحة به، بشهادة #كاميرون_هيدسون. كل هذا حدث، فشغلوه بالمدافعة لدرجة أنك تستطيع أن تقول: إنه حكم ولم يحكم.
وقع نظام البشير ضمن استراتيجية (أكرر استراتيجية) أمريكية، وضعتها مؤسسة راند Rand Institution، بتكليف من وزارة الخارجية و #البنتاجون ووكالة #الاستخبارات المركزية #CIA. وكانت تلك الاستراتيجية تستهدف كل من يرفع شعاراً إسلامياً.. وكُتب فيها وسائل وأدوات تنفيذها. وطُبِّقت تلك الاستراتيجية حرفياً على نظام البشير، وأنظمة أخرى..
وهذا ما سنبيّنه في هذه المقالة والتي تليها.
قال العلامة بروفسر مزروعي: “بعد أن أصبح الغرب أكثر علمانية ونبذ الدين طفق يبحث عن ملاذ جديد للقداسة، فجعل بنهاية القرن العشرين من (حرية الفن) أكثر قداسة من الدين، كما تجلى من موقفهم من كتاب سلمان رشدي (١٩٨٨) وهو كتاب خبيث مثير للاشمئزاز ومستقبح أخلاقياً morally repugnant لدي #المسلمين”
وأضيف: والرسوم المسيئة للرسول في تشارلي إبدو Charlie hebdo، والفلم المسيء للرسول.
في عهد #الاتحاد_السوفيتي أعدت أميركا استراتيجية لإسقاطه اسمها “سياسة الاحتواء” Containment Policy كتبها George Frost Kennan، الذي كان يوماً سفيراً لواشنطن لدى موسكو، وتبناها الرئيس ترومان حتى نسبت إليه وأصبحت من إرْثِه Legacy، وكانت خطة مارشال Marshal Plan جزء منها.
بعد انهيار الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفيتي الذي كانوا يسمونه الخطر الأحمر، التفت الأمريكان – بعقلية الكاوبوي – باحثين عن خطر، وما هي إلّا بضع سنوات حتى صنفوا الإسلام كخطر، وأسموه: الخطر الأخضر Green Peril.. وبعد تفجيرات 11 سبتمبر، ترسّخت فكرة خطر الإسلام لديهم، فانطلقوا انطلاق الثور الأعمى في مستودع الخزف.
وقامت استراتيجية محاربة الاسلام على أسس محاربة الفكر الإسلامي، أسوةً بحربهم للفكر #الشيوعي، والأخذ في الاعتبار تجارب ودروس “سياسة الاحتواء” ضد الشيوعية.
وقالت الاستراتيجية: “إن المشكلة ليست مع الإرهاب، وإنّما مع الإسلام في حد ذاته، فالإسلام أصبح خصماً يجب هزيمته فكرياً ثم أمنياً وعسكرياً”.
وبسبب الآلة الاعلامية وعدوانية الغرب أصبح الصراع بين معسكر الغرب ومعسكر الإسلام.
وخلصت الاستراتيجية في هذا الصدد إلى أنه، وفي حالة عدم القدرة على تغيير الإسلام، فيجب احتواءه وحصره في المسجد فقط، وتأجيج الدعوة لإعادة تفسيره.
على أنّ أخطر ما جاء في الاستراتيجية هو: بناء شبكة من بين أبناء المسلمين معادية للإسلام سمَّوها:
“بناء شبكة مسلمين معتدلين”
Building Moderate Muslim Network،
بشرط مهم، وهو:
“أن يبقى مفهوم “الاعتدال” Moderation ومواصفاته مفهوماً أمريكياً، وليس مفهوماً إسلامياً، وأن يكون هناك اختبار للمفهوم الأمريكي للاعتدال، يتم من خلاله اختيار من تعمل معهم الإدارة الأمريكية ومن تدعمهم، في مقابل من تحاربهم وتحجم نجاحاتهم”. (صنع إسلام أمريكي).
ومن بين معايير “الاعتدال”:
– أن يقبل “المعتدل” كل اتفاقيات #حقوق_الإنسان، بما فيها حقوق قوم لو_ط (يفضلون تسميتهم بالمثل/يين)، واتفاقية سيداو CEDAW،
– ألّا يكون “المعتدل” معادياً للغرب، وأن يقبل الديمقراطية الغربية كما هي.
– ألّا يكون لدى “المعتدل” ميول لقيام الخلا،،فة الإسلامية في العالم الإسلامي.
– أن يرفض الجهاد.
– ألّا يقبل بالتفسير الدقيق ( التفسير المعتمد ) للقرآن.
وفي غدٍ نُبيَن جوانب مهمة من الاستراتيجية، وكيف نُزّلت على #نظام_البشير، وكيف استهدف الإسلام، وأنّ جوهر القضية ليس الإسلاميين.
ياسر أبّشر
——————————-
19 يناير 2023