الخرطوم:الرآية نيوز
عندما يصبح رفع الظلم جريمة !
( ها هم يستمتعون بالحرية التي وفرناها لهم ) مقولة يكررها المسؤولون ويرددها ذباب قحت الإلكتروني كلما كانت هناك وقفة احتجاجية لمفصولين من العمل أو تظاهرة سلمية ضد الغلاء والجوع وبيع السيادة والظلم والدوس وتسييس القضاء .. الخ، فكل ذلك يدخل ضمن الصراخ الذي بشَّرهم المسؤولون بأنه سيكثر وتتعدد صوره. ولا يجد الممتنون بالحق في “الصراخ” أي تناقض إذا استبقوا هذه الفعاليات الاحتجاجية بدعوات إلى دوسها، وإن استجابت الجهات الأمنية وتصدت للتظاهرات وفضتها بالقوة، فذلك دوس مشروع للصارخين/المتآمرين، وإن لم تفعل فتلك حرية يجب شكر حمدوك عليها مع اتهام الجهات الأمنية بالتقصير أو التواطؤ ! يتجاور كل ذلك في اتساق “ثوري” بديع، تشكل ثقافة الشفاتة الرثة لحمته ويصنع التأنق المبدأي المرن لمثقفي “الثورة” سداته .
ومن المفارقات افي زمن الامتنان بحرية الصراخ، زمن القحط المادي والمعنوي هذا ، أن يكون عدم التعامل بعنف مع المحتجين/الصارخين تهمة وجريمة كبيرة للأجهزة النظامية ترتقي إلى التواطؤ ضد “ثورة” الحريات . غير بعيد عن هذا الإتهام “الثوري” تأتي اتهامات صلاح مناع للبرهان وحميدتي بالتورط في “جريمة” إطلاق سراح السيدة وداد بابكر لتصبح هذه الاتهامات من أكبر القضايا الساخنة التي تتقاسم مع التشكيل الوزاري صدارة الأخبار، وتتسبب في الخلافات بين المسؤولين، وتؤرق جمهور قحت الذي يريد معرفةالجهة/ات المسؤولة عن هذه الجريمة النكراء التي ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى “للثورة” وقيمها ومبادئها، هذا إضافة إلى الجهة المسؤولة عن جريمة نكراء أخرى هي جريمة مساءلة وإنهاء انتداب ضابط شرطة التمكين الأشهر الذي كان يجيد كل فنون الدوس ويرتفع بها إلى أقصى ما يطلبه المستمتعون بأدائه .
الطبيعي في دولة قانون وعدالة حقيقية، بدلاً من أن يرتفع صوت بعض الحكام بالاحتجاج على إنهاء اختطاف السيدة وداد والتنكيل بها، أن يشعروا بالحرج الشديد من اعتقال متطاول بلا محاكمة، ومن الوضع الصحي السئ الذي سجلته التقارير الطبية ونقلته الصور، وأن ينشغل مناع ولجنة التمكين والنيابة وكل الحكومة بالتبرير (أو الإعتذار عن) كل هذا، وعما تعرضت له من ابتزاز باعتراف وموافقة رئيس لجنة التمكين الذي تحدث بصراحة في مقابلة صحفية عن أنهم ساوموها على حريتها مقابل أن تتبرع بتوفير أدلة لمحاكمتها أو اطلاق سراحها بالضمانة ( غير متعاونة مع النيابة في التحري وتعمل على إخفاء كثير من المعلومات عن ظواهر فساد أو مصادر ممتلكاتها أو الممتلكات بالخارج، وأعتقد لو كانت تعاونت لأحيلت للمحكمة و أفرج عنها بضمان تلك الممتلكات محل الاشتباه).
إن صح أن البرهان وحميدتي هما من أمرا بإطلاق سراح السيدة وداد، فلا يشكل ذلك رفعاً كاملاً للظلم، فقد ظُلِمت، تحت بصرهما، ظلماً لا يمكن رفعه كله، وتعاونت فيه النيابة ولجنة التمكين وإدارة السجون وكل الحكومة، والذي حدث هو منع للتمادي في الظلم بعد أن وصل حداً بهدد حياتها، وبعد التصوير وانتهاك الحرمات واستفزاز القبائل . إيقاف الظلم بعد تخطيه لكل الحدود لا يمكن أن يكون جريمةً إلا في دولة بلطجية موتورين، وفي الواقع الشق المدني من النظام يؤمن بهكذا دولة ويحاول إقامتها ولا يرضى عن معدل تعاون الأجهزة النظامية ولهذا يعمل من أجل تأسيس أجهزته النظامية الخاصة التي تلتزم بمبادئ وقيم “الثورة” ولا تقف – لأي سبب حتى لو كان الحرص على صورة النظام – في طريق الدوس مهما كانت صوره ومهما بلغت سقوفه.
إبراهيم عثمان