محمد التجاني عمر قش يكتب:محجر بارا خطوة رائدة نحو التنمية!

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

محجر بارا خطوة رائدة نحو التنمية!

محمد التجاني عمر قش

أن يسمع الإنسان خبراً مفرحاً وسط هذا الركام من اليأس والإحباط، أو أن يرى ضوءً خافتاً في آخر النفق المظلم، أو شعاعاً ولو خافتاً وسط هذه الدياجير المعتمة، فإن ذلك كله مما يبعث الأمل في النفس ويدخل عليها البهجة والسرور، ويجعلها تحلم بأن القادم ربما سيكون أحلى مما نرى ونشاهد في هذا الزمن المملوخ.

وقد كتبت كثيراً في هذه الزاوية وعبر صحيفة السوداني الغراء، التي فتحت لنا صفحاتها بكل كرم واريحية لمناقشة قضايانا القومية والولائية بلا تحفظ أو قيود، وناديت أكثر من مرة بأن تقوم الرأسمالية الوطنية، ورجال الأعمال والمستثمرون عموماً بدور طليعي رائد في تنمية مناطقهم؛ شريطة الارتباط بما حظيت به كل منطقة من موارد ومصادر طبيعية؛ بغية ربط الإنسان بالأرض وإحداث حراك تنموي من شأنه أن يحد من الفقر ويوجد وظائف في أعمال حديثة مستفيداً من كل ما هو متاح في المنطقة؛ ويفتح الباب لآفاق جديدة تنتشل البلاد والعباد من وهدة العوذ وتنشر ثقافة التنمية والتطور بقدرات ذاتية خالصة، وبتخطيط محكم بحيث لا تعرض النشاط المزمع لأي انتكاس أو عرقلة قد تولد الإحباط وتحول دون الاستمرار مستقبلاً.

لقد سررت كغيري من أبناء ولاية شمال كردفان لذلك الخبر الذي زفته لنا الأسافير والصحف بأن أحد تجار الماشية الكبار بالولاية قد أقدم على خطوة تعد الأولى من نوعها في هذه المنطقة الواعدة وذات المصادر المتعددة من مياه وتربة ومناخ مناسب لتربية الأنعام من إبل وضأن وأبقار وماعز، وبها إنسان صاحب تجربة تراكمية ممتدة في هذا المجال بيد أنه بحاجة لتدريب وتطوير مع توفير الخدمات المطلوبة في هذا الصدد وعلى رأسها الرعاية البيطرية والاستفادة من التربة من أجل التوسع في زراعة العلف بدلاً من الخضروات الموسمية التي لم تعد تجد نفعاً.

وبما أن القطاع الخاص يمثل بوابة رئيسية هامة في تنمية وتطوير قطاع الثروة الحيوانية خاصة والاقتصاد الوطني عامة فقد شهدت محلية بارا بشمال كردفان مؤخراً افتتاح محجر دولي حديث ومتطور لصادرات الثروة الحيوانية لصاحبه المستثمر الوطني بشير عشي، وقد شُيد بمواصفات ومعايير عالمية لكي يستوعب آلاف الرؤوس من الضأن والإبل، وتجهيزها للصادر. وهذا خبر يثلج الصدر، وتجربة رائدة تجد منا كل المساندة، وهي تتطلب الرعاية الرسمية المطلوبة، مع التسهيلات والتشجيع والدعم المتواصل ليس مادياً فحسب بل تقنياً؛ لأن هنالك أشياء لا يستطيع المستثمر القيام بها لوحده؛ مثل تطوير البنية التحتية من طرق وتوفير الطاقة اللازمة للتشغيل وتسهيل الحصول على مدخلات الإنتاج وغيرها من الضروريات التي تتطلب جهداً رسمياً خالصاً.

ولعل هذه مناسبة سعيدة لكي نكرر النداء لإخوتنا في القطاع الخاص حتى يلجوا مجالات غير تقليدية تعود بالنفع على قطاع واسع من الناس وتنقل البلد إلى آفاق أرحب من تلك التي ظلت تهيمن على التجارة في السودان بدون إحداث أي تطور يذكر لا على المستوى الشخصي ولا العام. وحتى تكتمل الصورة التي بدأها الشيخ عشي لابد من تشييد مسلخ حديث بالقرب من هذا المحجر خاصة إذا لعملنا أن هنالك دراسات وخطط سابقة لمشروع من هذا النوع في الأبيض، ويا ليت لو أننا أقمنا شراكات ذكية مع مستثمرين أجانب من أوروبا أو جنوب شرق آسيا أو من تركيا لأن لديهم تجارب ناجحة في تجهيز اللحوم على أحدث الطرق بحث نستطيع المنافسة في الأسواق العالمية باسم السودان بدلاً من تصدير منتجاتنا الوطنية المتميزة بأسماء دول أخرى تجني العملات الجنبية ونحن يطبق علينا المثل السوداني القائل: “الحيل تقلب والشكر لحماد”!

وربما يدفعني الحماس أكثر لكي أقول إن شمال كردفان يمكن أن تكون سلة غذاء السودان والدول المجاورة في البلاد العربية والإفريقية، فقط إذا توفرت الإرادة وتلاقحت الأفكار واستطعنا جذب رؤوس أموال داخلية وخارجية أو إذا حركنا الأرصدة المتوفرة في المصارف العاملة في الولاية وأسسنا شركات مساهمة عامة يساهم فيها القطاع الخاص والعام وفق معايير شفافة واتفاقيات محكمة تضمن حقوق جميع المساهمين والشركاء.

الحمد لله الآن لدينا معطيات، يمكن الاعتماد عليها بشكل مبدئ، من أهمها طريق الصادر الذي يسّهل عملية النقل إلى موانئ التصدير على سواحل البحر الأحمر، ومطار الأبيض الذي يمكن أن ينقل منتجاتنا إلى أطراف الدنيا بلا توقف، وكل المطلوب الآن وضع أسس علمية حديثة لهذا التوجه، إذا أردنا له أن يحقق أهدافه العامة والخاصة. وبكل تأكيد فإن هذا المحجر يعد مشروعاً استراتيجياً بالنظر إلى موقعه بالقرب من طريق بارا -جبرة الشيخ – أم درمان، وهو الأول من نوعه في إفريقيا والعالم العربي، ومن شأنه أن يعزز من صادرات البلاد ودعم الاقتصاد الوطني والمساهمة في تطوير قطاع الثروة الحيوانية؛ وفقا للمواصفات العالمية من حيث الجودة والمعايير المطلوبة.

هذا المشروع يستدعي أيضاً تحسين السلالات في المنطقة، وإدخال طرق إنتاج حديثة، وتدريب كوادر بشرية على أعلى مستوى، وفتح أسواق جديدة، والالتزام بالمواصفات والمصداقية.

محمد التجاني عمر قشمقالات
تعليقات (0)
أضف تعليق