الخرطوم:الرآية نيوز
البرهان يملك والحلو يستحق !
عندما اتفق حمدوك مع الحلو على التفاوض على خياري العلمانية “الصريحة” أو تقرير المصير، علَّق الفريق أول الكباشي بأن هذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، الآن حسم البرهان أمر المجاهرة بالعلمانية بعد طول “غتغتة ودسديس”، وأعطى الحلو الحق في أن يلزم الجميع بالنص على العلمانية صراحةً في الوثيقة الدستورية، بما يحقق نقلات علمانية أكثر جرأة تحكم الحاضر، وأعطاه “هوادة” تفوق العطاء الأول تتمثل في التحكم في المستقبل بإعتماد الوثيقة الدستورية دستوراً دائماً بعد إدخال ما يتم الاتفاق عليه مع الحلو . وكأن الوثيقة الدستورية بشكلها الحالي كان ينقصها فقط اشتراطات الحلو المتطرفة لتحقق الإجماع العام الذي يجعلها صالحة كدستور دائم!
صمت الكباشي هذه المرة لا يعني بالضرورة أنه يجامل البرهان في موضوع العلمانية، فربما لم تكن العلمانية هي سبب تصريحه الحاد ضد حمدوك كما ظن الجميع، ربما كان تحديداً بسبب الموافقة على بحث تقرير المصير .. وبما أن حمدوك كان يعلم بأن العلمانية الصريحة والأكثر جذريةً لن تكون مشكلة في التفاوض مع الحركة، وكان يعلم بأنه لا يُعقَل أصلاً أن يتم الاتفاق على خيار خطير كتقرير المصير بسبب الاختلاف على قضية شكلية كالاتفاق على تسمية أو عنوان المشروع القائم.. لكل ذلك لا وجاهة لغضبة الكباشي إن كانت بسبب تقرير المصير، ولا وجاهة لها حتى إن كانت بسبب العلمانية، فالعلمانية واقع والكباشي نفسه يساهم في إجازة تشريعاتها . الاتهام الذي يمكن أن يُوجَّه لحمدوك هو قبوله بلعبة الحلو القائمة على فكرة جعل وحدة البلاد موضوعاً للابتزاز تُمرَّر العلمانية عبره وتُستدام ، وهو الاتهام الذي ينطبق على البرهان بصورة أكبر .
البرهان يتصرف وكأنه يملك كل شئ، ويعطي كل مطلوب لطالبه، مستحقاً أو غير مستحق، طالما رأى فيه خدمةً لمشروع تسويق نفسه، فمن الواضح أن أي ثابت يهم هدمه طرفاً خارجياً أو داخلياً لن يتردد البرهان في هدمه فوراً، ولن يكون الأمر مفاجئاً إذا لبى في المستقبل الكثير من مطلوبات الأطراف الخارجية أو الداخلية التي تتلكأ قحت في تلبيتها خجلاً أو عدم قناعة . مقولة لا يوجد شئ اسمه ثوابت الأمة السودانية جاءت من تلقاء قحت ممثلة في وزير العدل، لكن الترجمة الأكثر تطرفاً لها تأتي دائماً على يد البرهان، فالرجل متحمس ومستعجل وما تناور حوله قحت وتتأنى وتسير بحذر يحسمه البرهان في ساعات.
يمكن القول إن الملامح الرئيسية لهذه الفترة تتشكل من حصيلة عدة رغبات للبرهان يترجمها إلى عطاء من يرى أنه يملك إلى من يرى أنهم يستحقون : أولها رغبته في تقديم نفسه للغرب كعسكري حاسم قادر على حفظ الأمن، ولا يعبأ بالرأي العام السوداني، ويُعتمَد عليه في موضوعات التطبيع والتغريب والعلمنة والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني اللامحدود بما يلبي مصالح وتطلعات الغرب كاملةً، وثانيها رغبته في تقديم نفسه إلى الدول المؤثرة في الإقليم كحليف متساير طيع يرضي الغرب فيرضيها، ويحفظ مصالحها كاملةً ويعطيها المزيد، وثالثها رغبته في تقديم نفسه لقحت كضامن “الثورة” الأمين، واليد التي تضرب بها قحت، وفي سبيل ذلك يعطيها الكثير الذي لا يغضب إلا إذا مسه شخصياً أو مس جيشه، ورابعها رغبته في تصوير نفسه لحركات التمرد وكأنه متمرد مثلها على “السودان القديم” ويؤمن مثلها، أو أكثر، بسودان قرنق الجديد.
أصالة عن نفسي، كمواطن سوداني، وليس نيابةً عن أحد، أقول ما قالته العرب قديماً لأمثال البرهان : ليتنا انكسرنا ولا بك، ولا بمثلك، انتصرنا.
إبراهيم عثمان