إبراهيم عثمان يكتب : إيثار بلا خصاصة !

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

إيثار بلا خصاصة !

غربة العلمانيين المسلمين وسط عامة المسلمين تجعل كل شئ عندهم مختلفاً بما يعطي لكثير من الكلمات معانٍ. مختلفة عن تلك المعروفة، ومنها كلمة الإيثار، فالعلمانيون المسلمون ، كما تثبت خطاباتهم، لا يؤثرون على أنفسهم أحداً غير أصحاب الأديان الأخرى، وهذا إيثار احتيالي كاذب، فهم بهذا الإيثار والكرم إنما يؤثرون أنفسهم في المقام الأول، فلا يوجد غير هذا الإيثار الاحتيالي ما يعود على صاحبه بأرباح دنيوية فورية في حجم إقرار مشروع وتنصيبه حكماً بين أطراف التنوع يعلو عليها .. الإيثار في الأصل عطاء وتضحية وتنازل لكن إيثار العلمانيين المسلمين لأصحاب الأديان الأخرى هو إيثار طمع وتكويش وأرباح فورية بلا خسارات ولا تضحيات من أي نوع . حتى كلمة ( الآخر ) تحدث لها خسارة دلالية كبيرة عندما يتم استخدامها في وصف نوع العلاقة بين العلمانيين المسلمين من جهة، وأصحاب الأديان الأخرى واللادينيين من جهة . فالعلاقة، في الوعي العلماني، ليست علاقة طرف بآخر بل هي علاقة شركاء مشروع يتعاونون على إنفاذه، فلا تسامح هنا ولا تفهُّم بل محاباة للذات .

عندما يتحدث العلمانيون المسلمون عن رفضهم للشريعة يتعمدون عدم التركيز على أن هذا هو موقفهم الأصلي حتى لو لم يكن هناك تنوع ، وبدلاً عن ذلك يركزون على أن التنوع هو سبب موقفهم هذا، ويوحون للشعب بأنه السبب الوحيد ! ورغم إنهم يجدون مشقةً كبيرة في تضخيم التنوع وإحصاء الأديان الأخرى غير الإسلام إلا إنهم، وعلى غير المعتاد، يتجاهلون أنفسهم كأهم وأكبر أطراف التنوع الرافضة للشريعة الإسلامية، فلا يقولون مثلاً : ( البلد بها نحن العلمانيين المسلمين، وبها أيضاً مسيحيين ولادينيين وأرواحيين سنتضرر جميعاً من تطبيق الشريعة) ..

الأصل أن كل متضرر من شئ سيتحدث في المقام الأول عن ضرره الخاص وربما يضخمه، ثم يدعمه بالحديث عن متضررين آخرين، لا أن يوحي للجماهير بأنه ليس متضرراً وأن حرصه الشديد على حقوق “الآخرين” هو ما يدعوه لرفض الشريعة فيما يبدو لغير المدقق كنوع من الإيثار والتنازل وعمق الإيمان باحترام حقوق الآخرين ! بينما الكل يعلمون أن العلمانيين المسلمين لا تبدو عليهم أي علامة من علامات احترام الآخر في أي اختلاف ما عدا ذلك الوهمي الموحى به، تحايلاً، مع غير المسلمين !

المؤكد أن مجموع عدد الشيوعيين المسلمين والملحدين، والبعثيين، والناصريين، والجمهوريين وأنصار المؤتمر السوداني، والحركات المسلحة، وأنصار التجمع الاتحادي، وحركة حق، والعسكر الذين يتفقون مع البرهان على العلمانية، وبقية العلمانيين المسلمين، المؤكد أن مجموع عددهم أكبر بكثير من عدد المسيحيين واللادينيين والأرواحيين الذين يتحججون بهم لرفض الشريعة. ومن يجادل في صحة هذا التقدير فليتقدم بإثباتاته بأن العلمانيين المسلمين ليسوا فقط أقلية وسط المسلمين بل حتى بالمقارنة مع الأقلية غير المسلمة ! .. ذِكرهم لهذه الأحزاب العلمانية كأطراف مهمة في التنوع يجب مراعاة موقفها من شريعة الإسلام كان سيدعم حججهم وسيغنيهم عن البحث عن اليهود وعبدة الأحجار لغرض زيادة أطراف التنوع .

ما هو “الشديد القوي” الذي يجعل العلمانيين المسلمين يتنازلون، على غير العادة، عن مظلمتهم الخاصة ويتجاهلونها ولا يتحدثون عن أنفسهم كطرف مهم في التنوع لمصلحة تضخيم مظالم أطراف أخرى ينطقون بلسان أصحابها بأكثر مما يفعلون ؟! السبب في الواقع هو خجلهم من موقفهم الأصلي الرافض للشريعة، وعدم قدرتهم على الدفاع عنه لا سيما على المنابر وأمام الجماهير .. نعم إنهم يخجلون من مشروعهم، ويحاولون تطبيقه بالحيل وبالتقية والتلاعبات والخداع وتغبيش الوعي، ويوحون كذباً بعدم وفائهم له لولا التنوع !!

الكل يعلمون أن لواء العلمانية ورفض الشريعة يرفعه أساساً مسلمون أسماءهم عبد الفتاح، وعبد العزيز، وعبد البارئ، وعبد الواحد، ونصر الدين، ومحمد الأمين، وعمر الدقير، ومحمد الخطيب. ولا يوجد الآن اسم بارز لعلماني غير مسلم، ومن يعلم إسماً بارزاً غير مسلم ينادي بالعلمانية فليدلنا على الملحدين والمرتدين سراً من بين حملة الأسماء الإسلامية هؤلاء.

إذن من حيث العدد ومن حيث الإيمان بالعلمانية والتبشير بها فالأغلبية هي للعلمانيين المسلمين والأديان الأخرى أقلية، هذه الحقيقة كان يجب أن تنعكس على خطابات العلمانيين المسلمين وتقوي حجتهم المستندة على التنوع. وتجاهل هذه الحقيقة من جانب المطالبين بالعلمانية يكشف عن مأزقهم الكبير . هل هناك علماني يملك تفسيراً مقنعاً لتجاهل هذه الحقائق غير الخجل والتسليم بسوء سمعة العلمانية عند أغلبية الشعب ؟! كيف لمشروع يستحي منه أصحابه الأصليون ولا يقولون : نحن مواطنون ولنا حقوق والشريعة الإسلامية ستمس بحقوقنا وحقوق آخرين غيرنا، كيف لمشروع كهذا، أن يقبله الشعب ويرى فيه المشروع الذي يجمع الكل ؟!

إبراهيم عثمان

إبراهيم عثمانمقالات
تعليقات (0)
أضف تعليق