إبراهيم عثمان يكتب : مقال خالٍ من الرقيب الذاتي للشهداء !

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

مقال خالٍ من الرقيب الذاتي للشهداء !

كعادته في امتطاء القضايا، وبحرصه على الكلمات الملساء، وبإصراره على استحضار الطقوس و”الآلهة”؛ ( آلهتنا القديمة عند البركل المقدس )التي يحرص دائماً على أن تظلل وتبارك مناسباتنا .. على هذا المنوال، كتب الأستاذ ياسر عرمان مقاله بعنوان ( خبز خالي من المنع والبمبان للشهداء في يوم مولدهم ).. لكن المقال، رغم ذلك، لم تكتمل له عادات عرمان، فقد كان الرقيب الذاتي حاضراً وقمع الكثير منها، وأدى إلى خلو المقال من الكلمات القاسية في حق المتهمين بالفض ولو دون إشارة إلى من يكونوا، وطبعاً أدى إلى خلوه من الإشارة إليهم أو التلميح ولو من بعيد، وإلى خلوه من المطالبة بالقصاص ومن الإشارة إلى أسباب عرقلته .

وبينما تحسر على أنه ( لم يحتفى أحد بذاك العيد وسجل الإحتفاء بالعيد ضد مجهول ) يقصد عيد الفطر الذي أعقب الفض، فإنه في مقاله الشاعري تعمَّد تسجيل الجريمة نفسها ضد مجهول .. وإمعاناً في الحذر، جنَّب حتى الجاني المجهول طعنات قلمه الجارح !! .. لسنا بحاجة إلى البحث عن الأسباب التي دعته إلى ذلك، فهي تحدث عن نفسها، فهو لا يملك أي حيثيات تسعفه لإفراغ شحنة الغضب في متهم/عدو مثالي لتشغيل آلة الهجاء ومطالبات الدوس دون مخاطرة وتكلفة، وهو يعلم أنه لو اخترعه فإن كذبته ستكون بلقاء مشهورة، وهو أيضاً لا يريد أن يساير الشباب وأسر الضحايا ويسمي أو يشير من بعيد إلى متهمين هم شركاءه الآن .

مع ذلك كانت بلاغة الصمت أكثر إفصاحاً، فلولا أنه يستبطن القناعة بأن الحديث عن الفاعلين، والقسوة عليهم، والمطالبة بالقصاص، والإشارة إلى عرقلة العدالة ستجلب له المتاعب مع بعض شركائه، لولا أن هذا كان حاضراً في ذهنه لما تخلى عن بعض عاداته ولما أكتفى بالتضامن مع ضحايا الفض بهذه الطريقة الرومانسية الباردة . هذا الأسلوب الحربائي يدين الفعلة الذين تتحدث عنهم كلماته بصمتها التام عنهم، ويدينه هو نفسه، فلا تفسير للصمت الفصيح سوى خليط من الجبن والانتهازية .

طالب الأستاذ عرمان في مقاله ب ( نصب تذكارى شامخ فى ساحة الإعتصام .. وهذا سجل من وطن وهذا سجل للوطن ضد الذاكرة التاريخية المثقوبة )، لكن مقاله نفسه يزيد في ثقب الذاكرة بالكثير الذي صمت عنه، وبجرأته في تذكير الناس بما كان يُتوَّقع أن يتحاشاه في مقالٍ كهذا، فالشباب لا يملون من الهتاف ( بي كم بي كم بي كم قحاتة بعتوا الدم ) إشارةً إلى شراكتهم مع العسكر بعد فض الاعتصام، وياسر عرمان يريد أن يلغي هذا الهتاف حين يقول: ( نظام حكمنا الجديد وسلامنا الوليد جاء من رحم الشهداء جميعهم و من ساحة الإعتصام )، كيف ساهمت عملية فض الاعتصام وسقوط الضحايا في صناعة نظام حكمهم الجديد ؟! .. هل يقصد أن ضحايا الفض سرَّعوا صفقة الشراكة وزادوا ثمنها وجعلوها ممكنة ابتداءً ؟ كم هو حجم الثقب في الذاكرة اللازم لتحويل واقع ما بعد الفض من محنة بيع إلى منحة شراكة ؟ كم المسافة الآن بين عرمان المشغول بتدوير الزوايا وبين أسر الضحايا بعد أن بخل عليهم حتى بمقال خالٍ من الرقيب الذاتي ؟

إبراهيم عثمان

ابراهيم عثمانمقال خالٍ من الرقيب الذاتي للشهداء !مقالات
تعليقات (0)
أضف تعليق