د.أمين حسن عمر يكتب :في ذكري 25 مايو .. السودان… إنقلاب مايو 1969

السودان

رصد:الرآية نيوز

#ذكرى_25_مايو

السودان… إنقلاب مايو 1969

فؤجي السودانيون صباح يوم 25 مايو 1969 بتنويه عن بيان ستبثه لقوات المسلحة ثم أذيع بيان للعقيد أركان حرب جعفر محمد النميري أعلن فيه استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد،كانت هذه لحظة فارقة سبقتها أحداث أججت الصراع السياسي وزادت من وتيرة التدخل الخارجي لاسيما من تلقاء شمال الوادي وأهم هذه الأحداث إقتراب الجمعية التأسيسية من أجازة مسودة للدستور أعدت في العام 1968واعتبرت صورة من صور الدستور الإسلامي. ثانيا فشل جهود لجنة الأثني عشر في تحقيق تقارب شمالي جنوبي حول حل مشكلة الجنوب ثم جرى إغتيال أكثر السياسيين الجنوبين إعتدالا آنذاك وهو وليم دينق زعيم حزب سانو مما صعد من وتيرة الحرب التي لم تهدأ رغم مؤتمر المائدة المستديرة وجهود لجنة الأثنى عشر وذلك لعدم ترحيب الأحزاب الكبرى بفكرة الفيدرالية. ثالثا أدى حل الحزب الشيوعي إلى تكتل اليسار ووجد تعاطفا من العراق التي خشي البعثيون فيها إن تدور الدائرة على حزب البعث وعلى اليسار بأسره. رابعا بدأت جهود الوساطة لتوحيد جناح الصادق وعمه الإمام الهادي تؤتي أكلها مما أثار قلق عبد الناصر من عودة حزب الأمة الذي يسم الجفاء علاقته مع مصر لصدارة المشهد السياسي. وقد بدأت ترتيبات الانقلاب مع رئيس القضاء المستقيل بابكر عوض الله(ناصري) وكان رئيسا سابقا للبرلمان ومع فاروق حمد الله (بعثي جناح العراق) ثم توسعت لتشمل مجموعة الضباط الذين يوالون عبد الناصر ممن يسمون الضباط الأحرار ومجموعة أخرى جندها البعثيون و الشيوعيون وأخترقوا بها الضباط الأحرار وكان هناك مجموعة الضباط الوطنيين وعلى رأسهم العقيد نميرى و هؤلاء جميعا لا يبعدون النجعة عن اليسار يحييون في مناخ أجتماعي وثقافي يسارى.
جرى تكوين مجلس قيادة الثورة برئاسة جعفر نميري الذي ترقى في اليوم ذاته من عقيد إلى رتبة لواء.
وتكون مجلس قيادة الثورة من :
العقيد جعفر النميري
رئيس مجلس قيادة الثورو
بابكر عوض الله
نائب رئيس المجلس
فاروق عثمان حمد الله
الرائد عضو المجلس
الرائد مأمون عوض أبوزيد
عضو المجلس
المقدم خالد حسن عباس
عضو المجلس
الرائدأبو القاسم محمد إبراهيم
عضو المجلس
الرائد زين العابدين عبد القادر
عضو المجلس
وجرى تكوين مجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق وكان قد استقال من منصبه في عام 1964 احتجاجاً على قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني بواسطة الجمعية التأسيسية ورفض الجمعية التأسيسية الحكم القضائي بإلغاء الحل. و قد مثل المجلسان سوياُ السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. وقد شمل مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط كلهم عدا واحد هو خالد حسن عباس من رتبة رائد وصار جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة وزيرا للدفاع في الحكومة وكان بابكر عوض الله عضوا في مجلس قيادة الثورة (العضو المدني الوحيد.) وكانت الحكومةَ تبدو حكومة تكنوقراط رغم أن الوزراء جميعا أعضاء في أحزاب يسارية أو قربيين للغاية منها سياسيا. لكن أعضاءها حملوا في الغالب درجاتٍ علميةً كبيرةً ومؤهلاتٍ عُلْياَ وكان من بينهم:
الدكتور موريس سدرة أخصائي الطب الباطني الذي أوكلت إليه وزارة الصحة.محسوب على الحزب الشيوعي
الدكتور محمد عبد الله نور (عميد كلية الزراعة بجامعة الخرطوم آنذاك)، الذي أصبح وزيراً للزراعة والغابات.شيوعي
الأستاذ محجوب عثمان (نائب رئيس تحرير جريدة الأيام حينذاك)شيوعي وزيراً للإرشاد القومي.
المحامي أمين الطاهر الشبلي وزيراً للعدل.يساري أقرب للناصريين
المحامي فاروق أبو عيسى (نقيب اتحاد المحامين العرب السابق)شيوعي وزيراً لشؤون الرئاسة. وضمت فيما بعد الدكتور منصور خالد الأستاذ بجامعة كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية ، وزيراً للشباب.
كما ضمت الحكومة اثنين من المثقفين الجنوبيين هما الدكتور جوزيف قرنق(شيوعي) برلماني ورجل قانون، وعيّن وزيراً للتموين، والقاضي أبيل الير وأصبح وزيراً للإسكان.لم يعرف له انتماء يساري.
وضحت منذ البداية توجهات الحكومة الجديدة اليسارية حين ضمت في تشكيلتها عددا كبيرا من الشيوعيون و هؤلاء سيطروا على مفاصل لحكم تماما وضمت الحكومة ثلة من اليساريين البارزين والقوميين العرب. وشكل أالحزب الشيوعي الحاضنة الشعبية لها مستعينا بالمنظمات والنقابات التابعة له وسخرها لدعم النظام الجديدالذي عرف لاحقاً بنظام مايو وحشد الشيوعيون التأييد الشعبي له ورأوا فيه الخلاص للشعب والفرصة التأريخية لانجاز الإشتراكية العلمية في السودان.
وركزت البيانات الأولى للحكام الجدد على فشل التجربة الديمقراطية ذات الأحزاب المتعددة في السودان في حل مشكلات السودان في مجالات التنمية والجنوب و الدستور. وأعلنت حكومة نميرى العزم على إستئصال الأحزاب التقليدية وفي مقدمتها حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي وتوابعهم من ألأخوان المسلمين ووصفت الأحزاب بالرجعية والإقطاع ،لكنما الخلافات بدأت تطفو على السطح داخل المعسكر اليساري، خاصة بين الشيوعيين والقوميين العرب والناصريين أولا حول قضية الوحدة مع مصر وليبيا بوصفها هدفا عاجلا للثورة ثم حول لمنهج الإقتصادي المتدرج للإشتراكية ونشأ الخلاف حول تأميم لقطاع لخاص و حول الرؤى والتصورات التي يجب أن يأخذ بها النظام في تعاطيه مع مشاكل السودان عامة. وعارض القوميون العرب موقف الحزب الشيوعي المتطرف المعادي للدين وطالبوا بالاشتراكية العربية المرتكزة على الإسلام بديلا لأطروحة الاشتراكية العلمية. وتطورت الخلافات بتبني الحزب مواقف راديكالية ثم جاء موقف الحزب المتشدد في معالجة الموقف في تمرد الجزيرة أبا ليزيد الخلاف وزاد الاختلاف بسعي الحزب إلى إبعاد من يعارضونه حتى من هم في صف الثورة وإحلال موالون له محلهم فقام بطرد كبار قادة الخدمة المدنية وأساتذة الجامعات بدعوى الرجعية و الثورة المضادة. وزادت تلك التصرفات من فجوة الإختلاف إلى مرحلة التصادم حيث تم طرد بابكر النور وهاشم العطا (شيوعيان) ومعهم فاروق حمدلله( بعثى) والذي كان طرفا رئيسا في تخطيط الانقلاب وشغل وزارة الداخلية ،طردوا في 20نوفمبر1970 من مجلس قيادة الثورة وإعتقل نميري سكرتير عام الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب. ولم يمض وقت طويل حتى رد الحزب الشيوعي الصفعة في 19يوليو1971وتلك حكاية أخرى.

أمين حسن عمر
من كتاب مدنيون وعسكر
حكاية الأحزاب و الإنقلابات العسكرية في الشرق الأوسط

السودان... إنقلاب مايو 1969المشير جعفر نميريذكري 25 مايوكتاب مدنيون وعسكر
تعليقات (0)
أضف تعليق