إبراهيم عثمان يكتب : الأزمة الاقتصادية بين دولة الرعاية ودولة الجباية

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

الأزمة الاقتصادية بين دولة الرعاية ودولة الجباية

يتعلل المسؤولون الحاليون بالأزمة الاقتصادية لإلغاء معظم أشكال الدعم الحكومي للمواطنين .. لنتفق على أن الاقتصاد منذ سنوات ليس بخير، ولا ننسى دور القوى الحاكمة الآن في التأثير السلبي عليه بالعقوبات وبالحروب، ولنتفق على أن النظام السابق كان، رغم الأزمة الاقتصادية، يدعم بعض السلع والخدمات، ويوفر العلاج المجاني لبعض الحالات، والرخيص لغيرها، والتأمين الصحي بإشتراكات زهيدة، والدعم المباشر للأسر الفقيرة عبر المنظمات الخيرية المصادرة الآن والمعطلة، والتي تشتكي وزارة المالية من عدم تخليصها من يد لجنة التمكين وتسييل أصولها لدعم الميزانية المأزومة، ولنتفق على أن الضرائب كانت منخفضة، وكذلك رسوم المعاملات الحكومية .. وكان الدعم الحكومي الكبير للسلع الأساسية يجعل السودان – بشهادات/اتهامات المسؤولين الحاليين – واحة رعاية اجتماعية في محيط إقليمي من الغلاء والقحط، الأمر الذي يخلق مشكلة التهريب، وكان النظام فوق ذلك يبني ويعمر، وأهم افتتاحات تمت في العهد الحالي كانت لصروح تركها النظام السابق وهي في اللمسات الأخيرة ( في الطرق، والصحة، والتعليم، والصناعة، والمياه، والزراعة، والسدود، ومحطات الكهرباء، وحتى الفضاء … إلخ)، وبعضها عجز النظام الحالي عن إكمال لمساته الأخيرة … ومع كل هذا كان الحديث عن المعاناة هو عماد خطاب حكام اليوم، وكان شعارهم “حكومة الجوع تسقط بس”، مع وعد بأن البديل هو حكومة رعاية اجتماعية حقيقية ترفع الجوع وتحقق الرفاه والتنمية.

أيهما أولى باتهامات القسوة على الشعب والفشل وسوء الإدارة والفساد : ذاك النظام أم النظام الذي يتعلل بذات الأزمة الاقتصادية، ويحمل أعباءها بالكامل للشعب، فيرفع الدعم، ويضاعف الأسعار إلى خمسين ضعفاً في بعض الحالات، ويوقف الصرف على كثير من بنود تخفيف المعاناة، ويوقف البناء والتعمير، ويبني سياسته لمكافحة التهريب على تجفيف واحة الرعاية الاجتماعية ، ومساواة قحط السودان بقحط جيرانه، ويعتمد بالكامل على آمال الدعم الإقليمي والدولي لاستئناف مسيرة البناء والتعمير في المستقبل، ومع كل هذا التخفف من الأعباء وتحميل الفواتير للشعب، يضاعف الأزمة الاقتصادية، ويجندل الجنيه، ويحمِّل الشعب فواتير الأزمة التي فاقمها، ومع كل حزمة دوس للشعب يبشره بثمرات سيلمسها قريباً، ثم يكتشف الناس بعد فترة أنهم أمام حزمة دوس أقسى ووعد جديد بثمرات، فدوس أشد فوعود، في دائرة لا يبدو أنها ستتوقف، ويصل الحال في بعض القطاعات إلى حافة العجز التام عن التسيير، ويموت الناس فعلاً لا مجازاً على أبواب المستشفيات،
ثم لا يستحي النظام، مع كل هذا، من أن يطلب من الشعب أن يزاوج بين الشكر والصبر، ويتعايش مع الجوع ويردد شعار المرحلة “الجوع ولا الكيزان” !!

إبراهيم عثمان

إبراهيم عثمانالأزمة الاقتصادية بين دولة الرعاية ودولة الجباية
تعليقات (0)
أضف تعليق