رصد:الرآية نيوز
جمال عنقره يكتب
تأملات
أمل هباني .. الحنين إلى الماضي البغيض !!
– لم أفهم تغريدة الأستاذة أمل هباني التي دعت فيها النساء للاستعانة بصديق يوم غياب الزوج، كما فهمه كثيرون، فالمسألة ليست موقفا شخصيا، وكثيرون ممن يعرفون الأستاذة يشهدون أنها ليست ماجنة، ولا فاجرة، ولا تعاني مما يعاني منه النساء اللاتي دعتهن للبحث عن عشيق يقضين معه ليلتهن يوم أن يذهب الرجل إلى زوجته الثانية، فالأمر يأتي في سياق مشروع متكامل يسعي إلى رد السودان إلى عهد ما قبل إلتزام قيم الدين والأخلاق الإنسانية القويمة، وهذا عهد ليس ببعيد، ولقد عشناه وعايشناه عقلاء راشدين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما كانت الحكومة تمنح بيوت الدعارة تراخيص، وتمنح العاهرات شهادات صلاحية صحية، وكان البوليس ينظم صفوف الداخلين لممارسة الرذيلة، وكانت هناك أحياء مخصصة لذلك في كل مدن السودان، وأذكر كنا قد أجرينا حوارا صحفيا مع نجم مجتمع أم درمان الراحل الظريف المرحوم الهادي نصر الدين “الهادي الضلالي” لصحيفة “المشهد الآن” مع الزميلين الصديقين محمد فرح عبد الكريم، و”ابو ملاذ” فقال الهادي أن بيوت الدعارة في أم درمان كانت مملوكة لأهم شخصين، وزعيمين في المدينة، وكانا يؤجرانها للعاهرات باليوم، وكان هو يخلص الإيجار لأحدهما، وكان الثاني يخلص الإيجار بنفسه، ومن طرائف ما ذكر المرحوم الهادي أن الزعيم الحاج الذي كان يخلص الإيجار بنفسه، عندما يمر أحيانا لأخذ أجرة اليوم، تقوم له العاهرة “والله يا عم فلان لسه ما استرزقنا” وتعني بالاسترزاق أنها لم تضاجع داعرا بعد، فيذهب الحاج، ويعود إليها بعد أن “تسترزق” ويأخذ منها أجرة اليوم.
هذا الذي أذكره قد لا يتصوره الشباب الذين نشأوا في عهد الفضيلة، بعد “القيادة الرشيدة ” التي سنها الرئيس الراحل المقيم المشير جعفر محمد نميري في بداية سبعينيات القرن الماضي، ثم أتبعها بقانون أصول الأحكام، وتوجها بتطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن الذين تجاوزا الستين عاما، يعلمون كيف كانت الحياة في السودان، وأذكر أن واحدا قال لي أنه لم تكن هناك دور لفاقدي السند، فقلت له لم تكن هناك حاجة لمثل هذه الدور، لأن ابن السفاح لم يكن منبوذا في المجتمع، ولقد سجل أحد المؤرخين من الذين كانوا يعملون في مجال التدريس، أنه كان يسأل كثيرين من الطلاب في منطقة ما عن آبائهم فيقول الواحد منهم أنه “ابن خطي” يعني ابن خطيئة، اي ابن سفاح، وكان مثل هؤلاء يسجلون بأسماء أخوالهم، ولقد شهدت قصة واقعية لرجل طلق زوجته ثلاث طلقات، وبعد فترة قصيرة أعادها مرة أخري لبيت الزوجية، فلما سألوه عن ذلك قال إنه صاحبها، أي صارت له صاحبة، أو عشيقة، وعاشا بقية عمرهما هكذا عشيقين، وأنجبا عددا من البنين والبنات وكانت الصاحبة في ذاك الزمان أمرا طبيعيا، وتعرف هكذا بين الناس، وفي ذاك الزمان كانت الميسات، التي يسكن فيها الموظفون غير المتزوجين تشهد ممارسات عجيبة، وهناك “ميس” مشهور في أم درمان كانت به “حفرة دخان” لساكني الميس، ولأصدقائهم أيضا، فذلك هو الزمان التي ترمي مثل هذه الدعوات إلى العودة إليه، ولقد شهد أحد دواوين الحكومة حدثا غريبا، إذ رفض مدير الديوان رفع الأذان في المبني، ثم أمر بنقل السجلات إلى المصلي، فلما احتج العاملون لدي الوزير المعني، وكانت الوزيرة إمرأة، ناصرت المدير، ولما أخبرها أن العاملين الذين يصلون في المسجد رفضوا له وضع السجلات، قالت له “ختها ليهم في رسينهم”
فهذه حملة ممنهجة لمسخ هوية الشعب السوداني، ورده إلى عهد التيه والضلال، والمجون، والفسوق، وليست مطالب عبد العزيز الحلو العجيبة في جوبا بمعزل عن ذلك، وما يفعله هؤلاء هو ذات ما فعله مصطفي كمال أتاتورك في تركيا قبل قرن من الزمان فيما عرف بالسياسة الطورانية، أو سياسة “التتريك” ومن ضمن ما أمر به اتاتورك، منع لبس الجلباب، ورفض رفع الأذان باللغة العربية، وأصر أن ينادي المؤذنون باللغة التركية، وذلك أشبه بطلب الحلو تحويل العطلة الأسبوعية من الجمعة إلى الأربعاء.