إبراهيم عثمان يكتب: معاناة الشعب ومعاناة الحكومة بين عهدين !

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب:

معاناة الشعب ومعاناة الحكومة بين عهدين !

ليس من السهل تقدير حجم الجهل والقابلية للاستغفال، أو الغرض وخداع الذات والآخرين، أو الإثنين معاً، الذي يحتاجه المرء لينتقل بسلاسة، مع حكام اليوم، من النظر إلى سياسة رفع الدعم الجزئي التي اتبعها النظام السابق كسياسة تثبت عدم اهتمامه بمعاناة الجماهير، إلى النظر إليها الآن كسياسة مشوهة للاقتصاد بما كانت تبقيه من دعم كبير للسلع الأساسية يتسبب – بزعمهم – في معاناة الحكومة وإرهاق ميزانياتها وتعطيل الإصلاح الاقتصادي .. ولا يسهل تقدير مستوى الجهل الذي تعتقد الحكومة الحالية أنه يتوفر عند الشعب لتتخذ بكل “شجاعة” قرارات رفع الدعم شديدة القسوة، آملة في أن الشعب سيبقي على اتهامه للنظام السابق بعدم الحساسية تجاه معاناته، ويتبنى الاتهام الجديد بأنه – بذات السياسة – كان يسبب معاناة شديدة للحكومة ويرهق ميزانياتها بالدعم الكبير ! .. الجمع بين الاتهامين يحتاج ليس إلى القابلية للاستغفال بسبب الجهل فقط، بل أيضاً إلى الغرض، وخداع الذات، والاستعداد لتحمُّل الفواتير الباهظة للسياسة الجديدة، والمؤكد أن عدد من تتوفر فيهم هذه القابليات قليل جداً ..

قليلون جداً هم أؤلئك الذين سيجمعون بين تصديق د. جبريل إبراهيم عندما كان يقول إن ٢٨ جنيهاً لجالون البنزين تفوق السعر العالمي، وتصديقه الآن وهو يقول إنه بسعره الجديد ( ١٣٠٥ جنيه) يقل عن السعر العالمي !! وأي محاولة لتصديق المقولتين معاً عبر الحديث عن سعر الدولار، وقتها والآن، ستزيد الطين بِلة ( وقد صادفني من حاول أن يفعل ذلك) ، أولاً لأنه حتى مع أخذ التغير في سعر الدولار في الحسبان فإن السعر القديم مقيماً بالدولار كان أقل بكثير من الحالي، وثانياً لأن الفرق الكبير في سعر الدولار يكشف عن وجه آخر لفشل النظام الحالي .

الطبيعي والقابل للفهم أن من يصدقون اتهام النظام السابق بالتسبب في معاناة الشعب بقرارات رفع الدعم الجزئي، سيوجهون اتهاماً أكبر للنظام الحالي بمضاعفة المعاناة بقرارات الرفع الكلي للدعم، وأن من يتهمونه بالتسبب في تشوه الاقتصاد بفواتير الدعم الكبير، سيسحبون تهمة التسبب في المعاناة، فالتشوه عندهم هو الدعم، أي هو مراعاة الشعب. أما من يجمعون بين الإثنين فالواجب عليهم، ليكونوا صادقين مع أنفسهم قبل الآخرين، أن يشرحوا للناس تعريفهم للمعاناة وللتشوه لنرى كيف استطاعوا هذا الجمع المستحيل بين تهمتي إرهاق المواطنين وإرهاق الحكومة، ولأن هذا لم ولن يحدث، فالأكيد أنهم إما من أنصار الأحزاب الحاكمة ممن يساهمون في حملات الاستغفال، أو من المستغفلين الذين يجمعون بين الجهل والغرض.

هذه هي تقسيمات المؤيدين لسياسات النظام الحالي، ولا يوجد غيرها، لأن النظام وأنصاره ومستغفليه لا يملكون رفاهية المجادلة بفروقات حقيقية في سياسات رفع الدعم وتوظيف أموالها ونتائجها يمكن أن يستخدموها للدفاع عن سياستهم ليقولوا مثلاً إن ما ظل الشعب يدفعه منذ عامين من بدء السياسة الجديدة لرفع الدعم قد نال في مقابله فوائد كبيرة، فأي مقارنة من هذا النوع ستكون بالتأكيد لصالح النظام السابق :

– هناك فرق درجة ونوع بين سياستي رفع الدعم، وفرق درجة ونوع بين الآثار التي يتحملها الشعب، فالآثار الآن تصل إلى الشعب بمنتهى القسوة.
– كانت الدولة توفر خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها بمستوى أداء معقول وتستثمر فرق الأسعار لتحسين الخدمات وإقامة مشروعات جديدة، وتدفع فاتورة المعالجات التي تخفف الآثار مما يتوفر من أموال الرفع الجزئي للدعم .. بينما الأداء الآن هو كما يعلم الجميع، رغم رفع الدعم، وتوقف استنزاف حركات التمرد للميزانية. ورفع العقوبات، ورغم الدعم الدولي، وحصول الحكومة على أموال رفع الدعم بالكامل، وتحمل الجهات الداعمة لفاتورة المعالجات للفئات الصعيفة.
– كانت آثار رفع الدعم الجزئي على كافة القطاعات ضعيفةً، ومنها النقل والمواصلا، كانت هناك تعرفة محددة ومعقولة، بينما الآن تنعكس آثار رفع الدعم على كل القطاعات بقوة، خاصة النقل والمواصلات بحيث أصبح هذا القطاع شبه محرر بالكامل.وبحيث أصبح الناس فعلاً يفكرون ألف مرة قبل أن يتخذوا قرار السفر، وكاذبٌ من ينكر أن الكثيرين قد قللوا إلى أقصى حد السفر بين الولايات من أجل العلاج أو المشاركة في مناسبات العزاء والأفراح، وسيكون دجالاً كبيراً إن سلَّم بهذه الحقيقة ثم حاول أن يستخلص منها ميزة لحكومة العبور ورفع المعاناة .

هذا النظام تأسس على السواقة بالخلا، في معارضته السابقة، وفي أحلام العبور ووعود الرفاهية، وفي تسويق الدوس للشعب الذي بدأه منذ أول شهر، ولم يستمر حتى الآن إلا بهذه السواقة، ولن يستمر لمدة أطول إلا بالمزيد منها، ولهذا كانت المحطة التي وصلتها الرحلة المحفوفة بالأكاذيب والاستغفال هي ما نرى الآن، مما اعترف حمدوك في خطابه/ مبادرته بجزء منه. بالتأكيد هناك قلة ممن لا زالوا يستمتعون بالرحلة لكن المؤكد أن الشعب لن يكتفي بعد الآن بالتزمر .

إبراهيم عثمان

إبراهيم عثمانمعاناة الشعب ومعاناة الحكومة بين عهدين !
تعليقات (0)
أضف تعليق