إبراهيم عثمان يكتب : الأساطير المؤسسة لدولة القحط – ( ١ – ٤ )

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

الأساطير المؤسسة لدولة القحط – ( ١ – ٤ )

كثيرة هي الأساطير التي روجتها أحزاب قحت في الماضي، وجيشت بها جمهورها، بل واستقطبت بها الأجهزة النظامية، وكانت تمثل العهد والميثاق الذي مهد لدولة القحط، وقد أثبتت الأيام أنها فعلاً كانت أساطير تلتقطها هذه الأحزاب بكل كسل من قارعة الطريق .. والآن تتأسس دولة القحط على أنقاض هذه الأساطير، لتدخل الجماهير في لظى التجاريب الفاشلة، والعسكر في إمتحان الاختيار بين النجاة الخاصة بتكلفتها الكبيرة، أو حراسة الفشل بتكلفتها الأكبر .. تخلصت قحت من كل أساطيرها المؤسسة المرتبطة بالوعود، وبقيت أسطورة واحدة ذات ارتباط أوثق بالوجود، لا زالت تجد من ينفخ فيها، وهي أن قاع المجتمع من الشفاتة والسطالة والسكارى ومعتادي الإجرام هم الطليعة الثورية الواعية التي ستقود المجتمع إلى مرافئ الأمن والتقدم والإزدهار، ولذلك كانت بيانات “الثورة” المصنوعة تُكتَب بلغة قاع المجتمع .. لكن سرعان ما تبخرت الأسطورة حين أثبتت الأيام كثيراً من الحقائق :-
▪️ لغة قاع المجتمع، بمحدودية كلماتها وفقرها الدلالي، وبقواعدها المنفلتة المتمردة على أي ضبط منهجي، وبركاكة المعاني التي تدور حولها، لا تصلح إلا لمرحلة التجييش، الهادف إلى الهدم، لقاع المجتمع الأكثر استعداداً للمغامرة بثقافته وبتأثير مما يتعاطاه، ولا تصلح لأن تكون لغة تجييش من أجل البناء، وهذا يؤكده الارتباط الجدلي بين الفكر واللغة، فالتأثير متبادل ويستحيل أن تنقل اللغة الرثة المبتذلة فكراً متحضراً ناضجاً .
▪️ يستحيل على قاع المجتمع أن يشكل قاعدة يقوم عليها مشروع نهضوي حقيقي، فالغالب على قاع المجتمع الفوضى وعدم التنظيم. والإجرام، وعدم الانتاج، والميل إلى التبطل، وتزجية أوقات الفراغ، ومعظم وقتهم فراغ، في السكر والتحشيش والعربدة والمشاجرات، وهذا يجعله عالةً على المجتمع لا قائداً له .
▪️ “الوعي” الذي صنعته تلك البيانات هو وعي زائف، بل هو نقيض للوعي، هو الوعي الذي جعل البروفيسور يتهجى حروفه فيعجزه الفهم، ما لم يسعده الحظ “بشفاتي” منزل أو “شماشي” شارع يتتلمذ على يديه ليزيل أميته ويفك له الطلاسم ويحدد له جرعة الوعي المطلوبة ليستطيع المواكبة .
▪️ أالتعويل على إنحرافات قاع المجتمع السلوكية لصناعة قاعدة للثقافة العلمانية الغربية هو تعويل فاشل، فالسياقات مختلفة، وكذلك طبيعة السلوك ومدى تأثيره على الإنتاج، والأخذ بأسوأ ما عند الغرب لا يمكن أن يشكل قاعدة انطلاق لمشروع نهضوي حقيقي لأن الاستمرار في استقطاب قاع المجتمع يقوم أساساً على توفير الحكومة الحالية لاحتياجاته الخاصة المتعلقة بالمزاج أساساً، وغيرها، وهذا استقطاب هش معدوم الفائدة بل منتج للخراب.
▪️ عندما انتقلت قحت من تجيبش الهدم إلى تجيبش البناء أتت بنخبها، على تواضع تأهيلهم كرجال دولة، وأرادت أن يكونوا هم الطليعة التي تقود الحاضنة الشعبية من الشفاتة وقاع المجتمع، لكن الشفاتة، العصيين على الاحتواء والضبط، تسببوا في مشاكل كثيرة تحاول قحت الآن حلحلتها عبر تظاهرات التفريغ الخالية من المطالب الحقيقية عدا تلك التي تخص قحت وتتعلق أساساً بصراعها مع المكون العسكري الذي تشكل كراهيته أساس وعي الشفاتة .
▪️ السانات والراسطات مهما تم النفخ فيهم لن يكونوا قادة مجتمع، وستظل الأغلبية تنظر بريبة إلى صعودهم المصنوع، وستدفع الأغلبية ثمن هذا الصعود إما نزولاً بمعاييرها وتمييعاً لقناعاتها من أجل المسايرة، أو عزلةً وابتعاداً يجعلهم مظنة التمرد، وبالتالي مظنة استحقاق الدوس. وبذلك ساهم الشفاتة في تمزيق المجتمع وتهديد أمنه ببلطجتهم وعدم انضباطهم وعلاقاتهم بعصابات الاجرام. ومكاتب الحكومة نفسها وجدت نصيبها من البلطجة.
▪️ الحقيقة التي أثبتتها قحت والمتمثلة في وجود نسبة من الجهلة الذين يساقون كالعميان لا تصمد أمام الحقيقة الأكثر ظهوراً القائلة بوجود نسبة أكبر ممن يثبتون العكس. ويؤمنون أنه ليس بالجهل والتجهيل تُبنَى الأوطان.

إبراهيم عثمان

إبراهيم عثمان يكتبالأساطير المؤسسة لدولة القحط - ( ١ - ٤ )
تعليقات (0)
أضف تعليق