الخرطوم:الرآية نيوز
سفة سلك كعنوان للمرحلة !
قبل أن تنقل الكاميرا اللقطة ما قبل الأخيرة لسفة السيد الوزير كانت هناك أعمال تمهيدية لم يلحظها المشاهدون في وقتها، لكن بعد اللقطة عاد بعضهم إلى اللقطات السابقة ليتابعوا مراحل السفة، وقد وثقوا ذلك في مادة متداولة . الأعمال التمهيدية كان يغلب عليها التخفي والاختلاس والهروب المتقن من الكاميرا، فإخراج الكيس من الجيب وإخراج الكمية المناسبة، وتحضيرها/دردمتها، ووضعها في أطراف الأصابع تمهيداً للشنقة، كل هذا تم بمهارة واحترافية وما كان لينتبه إليه أحد لولا مرحلة الشنقة التي لا تعالجها مهارة ولا يغطيها احتراف، في هذه المرحلة اكتفى السيد الوزير بالحد الأدنى من التخفي عندما وضع يده اليسرى ساتراً، لكنه بعد ذلك وعلى غير المتوقع الذي يقتضيه التخفي جمع اليدين معاً وقام بإزالة الآثار التي أظهرت الكاميرا أنها توزعت ما بين ملابسه، وعلى الأرض بين رجليه، وعلى حافة الطاولة.. ما لم تنقله الكاميرا هو المشهد الأخير، أي مشهد رمي السفة، فالمؤكد أن السيد الوزير قد احتفظ بها لأطول فترة ممكنة لإكمال الكيف، فهو لا يستطيع تكرارها، أو لحين توفر اللحظة المناسبة لرميها بأقل قدرٍ من الإحراج ، وليس معلوماً إن كان قد أخرجها أثناء الندوة أم احتفظ بها إلى حين خروجه، وليس معلوماً إن كانت مهارته قد مكنته من تناول الشاي في منتدى “كباية شاي” بعد السفة أم لا ..
في الواقع اختصرت هذه السفة بمراحلها المختلفة كل المشهد الحالي، فالعناوين الرئيسية لمشروع النظام على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية تشبه سفة السيد الوزير لناحية يقين الحكام بعدم الارتياح العام لها، ولناحية احتياجهم لقدر ما من البجاحة بعد تأنقين/تخفيين سابق ولاحق، أولهما كبير نوعاً ما سابق للبجاحة، والثاني صغير تالٍ لها لغرض التخفيف منها ومعالجة بعض آثارها، وهذا ينطبق على ( العلمانية، التطبيع، رفع الدعم، بعثة الوصاية الأممية، التمويل الأوروبي لمكتب حمدوك .. إلخ)، فكلها لا تحظى بالقبول العام، وكلها كانت مسبوقة بتطمينات ووعود، وبتخفٍ وتجملٍ شكلي مخادع، وكلها احتاجت في مرحلة تالية إلى بجاحةٍ يستحيل تفاديها بالكامل، وكلها تحتاج إلى ترقيعات ومعالجات لاحقة .
قصة السفة بمراحلها هذه ما بين بجاحة الشنقة والتخفيين قبلها وبعدها، تمهيداً وتخلصاً، واضطرار الوزير للاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة ليست هامشاً على متن سيرة الوزير، فصلتها وثيقة بشخصيته، فالوزير كان في أيام التطهر “الثوري” الزائف قد قطع بأنه لا يريد منصباً وزارياً وأنه سيظل بين الجماهير مناضلاً ومنادياً بحقوقهم، لكن الأيام أثبتت أن هناك الكثير الذي قام به الوزير وحزبه وراء الكواليس من أجل الحصول على المقعد الوزاري، وهناك وجه شبه بين المراحل التمهيدية شبه السرية لشنق السفة، وللحصول على المنصب، وهناك وجه شبه أيضاً في مرحلة البجاحة، حيث انتهى مفعول التخفي في حالة السفة بمجرد شنقها، وانتهى مفعول التجمل والتأنق “الثوري” بمجرد تولي المنصب، وتأكد انتهاء التجمل بنوع السياسات التي دعمها الوزير والتي يستحيل ربطها بالحرص على حقوق الجماهير .
والصلة قائمة بين السفة بمراحلها وبين أبرز ما قيل في الندوة، فقد تحدث السيد الوزير عن أن الانتخابات ستكون في عام ٢٠٣٤، أي بعد فترة انتقالية مدتها حوالي خمس سنوات، أي أطول بسنة عن المدة التي كانت أحزاب قحت تخطط لها، وهي المدة التي انتقدها المهندس خالد يوسف قبل سنوات نقداً موضوعياً شهيراً، ذلك عندما قال، في تأنق مبدأي لافت ومثير، إنهم، كأحزاب معارضة وقتها، يتحدثون عن الديمقراطية لكنهم ينوون التهرب منها ويخططون لفترة انتقالية طويلة لعلمهم بأن الانتخابات لا تأتي بهم، وأن هذا خطأ ويعكس لا مبدأية يجب أن يتخلصوا منها، ورغم أن هذا بدا وقتها كاعتراف شجاع ومواجهة للحقيقة، إلا أن الاختبار العملي أثبت زيفه وأنه كان مجرد تجمل شكلي غرضه تسويق شخصيته كشخص عميق الإيمان بالديمقراطية وقد أتت لحظة البجاحة السلطوية التي لم يسترها ذلك التأنق النظري القديم، وأصبح المهندس خالد يوسف في مقدمة المطالبين بفترة انتقالية طويلة يتوزر فيها، وتسيطر خلالها الأحزاب التي لا تأتي بها الانتخابات، ويؤيد عبد العزيز الحلو في أن تشهد التطبيق الكامل للعلمانية وكل البرامج المهزومة انتخابياً !
الغريب في الأمر أن الأستاذ التجاني مصطفى رئيس حزب البعث عضو مركزية قحت قد أبدى اعتراضه على ٢٠٢٤ كموعد للانتخابات نافياً أن يكون هناك اتفاق على موعد للانتخابات .. وطبعاً لا يمكن استنتاج أن اعتراضه جاء لرغبته في موعد أقرب، وهذا يؤكد أن بعض الحكام سيعملون من أجل تطويل إضافي للفترة الانتقالية، وأنه سيكون تطويلاً هروبياً احتيالياً يشبه تطويل مدة سفة الوزير .
إبراهيم عثمان