د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن.. ؟ (6)
السودان
الخرطوم : الرآية نيوز
د.أمين حسن عمر يكتب :
الكيزان من نحن.. ؟ (6)
يتحدثون عن إسلام سياسي وكأن السياسة ليست من أمر الدعوة فالسياسة فكراً وممارسة فرع من فروع الدعوة . وكما يغذى الفرع بأوراقه سائر اجزاء الشجرة بالتمثيل الضوئي فإن السياسة الجيدة احياءٌ وتحريك وتنشيط للدعوة في سائر مساقاتها الأخرى. بيد أن الدعوة هى الأصل والسياسة هي الفرع. والدعوة هي رسالة الانسان لأخيه الانسان لأن الله سبحانه وتعالى خلق الانسان وهداه النجدين . فأهتدى أناس وضل آخرون. فشاءت مشيئته الرحيمة ان لا يُترك من ضل إلى ضلاله بل أوجب على من أهتدى إن يسعى فى هداية من إفترق عن سواء السبيل. وإصطفى الله سبحانه وتعالى الانبياء الذين تهيأت نفوسهم لتلقى العلم الالهي . وأرسل من هؤلاء الرسل رحمة بالعالمين . وجعل العلماء ورثة للأنبياء يتابعون رسالتهم بعد موتهم . فلئن كان محمداً قد مات فإن دين الله لن يموت . وكرم الله سبحانه وتعالى أمة محمد بتكرمة خاصة بقوله وتكليفه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتدعون إلى الخير) والمعروف ما عرفه الناس خيراً بهداية الوحى والعقل . والمنكر ما رآه الناس نُكراً بهداية الوحى والعقل . والخير ما كانت ثمرته رحمة وتيسيراً على الناس أجمعين . والحركة الإسلامية أدركت ان واجبها الكلي هو الدعوة الشاملة المستمرة . وأن غاية الدعوة هو هداية الخلق إلى مراد الله سبحانه وتعالى . ومُراده سبحانه هو الرحمة لعباده في العاجلة والآجلة. والسياسة هي إدارة شأن الناس بالمعروف لتحقيق مصلحتهم . ولذلك قال العلماء قالوا فى تعريفها (إن التصرف بالسياسة منوط بالمصلحة) . فما لم يتوخى المصلحة العامة فليس بسياسة أو على الأقل ليس بسياسة شرعية رشيدة. وتعريف الناس بالسياسة الشرعية الرشيدة باب من أبواب الدعوة بالقول والعمل وبالإسوة والقدوة. وكذلك كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فان صلاح السياسة مؤداه صلاح الشأن العام . وصلاح شأن الناس العام يهيىء لصلاح الأنفس كما هيأ لصلاح المجتمعات. بيد أن كثير من الناس عندما يتحدثون عن السياسة لا يتحدثون عن السياسة التي هي إصلاح الشأن العام . وأنما يتحدثون عن السياسة التي هي الصراع على السلطة على الشأن العام . وشتان ما بين معنىٍ ومعنى وسياسة وسياسة . بيد ان تنظيم التنافس على حيازة السلطان على الشأن العام فرع من فروع السياسة . ولكي يكون معدوداً في السياسة الجيدة يجب أن يراعى عدة مباديء أولها:-
أن يكون الحكم الحقيقي لله لرب العالمين والحاكمية المطلقة له ، وأما حاكمية البشر فمقيدة بالامتثال لهداية الوحي ولاحكام الشرع. فهي حاكمية وكيل أو مستخلف لا حاكمية مسيطر ولو كان رسولاً نبياً (لست عليهم بمسيطر) ، (لست عليهم بوكيل) فالوكلاء على الشأن العام هم الناس أنفسهم لأن (أمرهم شورى بينهم).
أنه لا يجوز لأمرىء أن يفرض سلطته على جماعة وهي له كارهة وإلا برئت ذمة الله وذمة رسوله . وما برئت منه ذمة الله ورسوله برئت منه ذمة المؤمنين. فلا يحكم حاكم إلا بشروط المحكومين و لا يحكم تغلباً واستبداداً بأمرهم.
وأن لا يحكم حاكم لشهوة الحكم . وأنما للمصلحة وللمنفعة العامة . ولذلك فلابد لكل حاكم من برنامج للإصلاح . يعرضه على الناس كما عرض أبوبكر وعمر مرادهما للناس جميعاً . وكما عرض عثمان وعلي مرادهما للخاصة والعامة . فلا يقدمن أحدٌ نفسه بانتمائه لقبيلة أو حزب . وأنما بإلتزامه ببرنامج للإصلاح ليكون ذلك عقده وشرطه مع الناس.
ومثلما يعرض المرشح شرطه للجمهور فعليه الامتثال لشروطهم إن كان ذلك فى دستور أو قانون أو ميثاق أو عهد (فالمؤمنين عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً او أحل حراماً).
فالسياسة المقصودة عندنا هي الإصلاح والترقى في الخيرات والصالحات . ولذلك فهي فرع من فروع دعوتنا . وليست هى شأناً آخر موازياً للدعوة ننشغل به عنها . ثم أننا لا ننزه أنفسنا عن التقصير في أمر الدعوة أو أمر السياسة . فإن من شأن البشر النقص والتقصير عن جهل أو عمد . ولكننا نذكر أنفسنا بالاستغفار عن خطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا. لا يصرفنا ذلك عن مواصلة السعى بل الاستغفار صنو الاستمرار . فعلى الرغم من النقص والتقصير تبقى من المؤمنين طائفة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الخير لا يضيرها ولا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة . ونحن نحدث أنفسنا أن نكون من أهل هذه الطائفة.
د. أمين حسن عمر
كتاب الحركة الاسلامية السودانية..سؤالات وإجابات