د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن (14)
السودان
الخرطوم : الرآية نيوز
د.أمين حسن عمر يكتب :
الكيزان من نحن (14)
السؤال عن المدرسة السلفية :
والسؤال عن علاقة الإسلاميين بالصوفية قد يقود إلى سؤال عن موقف الحركة الإسلامية من الجماعات السلفية وإلى أي مدى تلتقى معها وأين مواضع الافتراق والاختلاف ؟ وشأن الجماعات السلفية هو شأن الطرق الصوفية فهى متعددة ومتنوعة ومتفاوتة في أفكارها وفي مناهجها العملية. ولذلك فليس من السهل تحديد موقف واحد منها وكأنها فئة واحدة. ولكن الأمام البنا الذي قال عن الحركة الإسلامية أنها طريقة صوفية قال أنها حركة سلفية. ولاشك ان ارتباط الأمام البنا بالحركة السلفية معلومٌ بسبب تتلمذه على استاذه رشيد رضا الذي هو امتداد لمدرسة محمد عبده السلفية التجديدية . والسلفية أساسها أتباع نهج السلف الصالح الذين هم الجماعة المهدية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليهم الرضوان . ومنهج السلف هو منهج الإتباع لا الإبتداع . والأتباع هو أتباع الكتاب والسنة والإبتداع هو الإتيان بأمر فى التدين ليس له أصل في الكتاب والسنة. فالكتاب والسنة هما منارة الهداية للصراط المستقيم ومن عمي عن الإهتداء بهما فقد ضل ضلالاً بعيدا. والحركة السلفية هي حركة احيائية تجديدية . ذلك أنها أنما جاءت استدراكاً لفتنة الصراع المذهبي والتناحر بين النحل والفرق والجماعات في أمور العقيدة والشريعة. فجاءت لترد الأمر إلى أصله الذي صُلح به ابتداءً والذى هو الكتاب والسنة . ودعوة الحركة الإسلامية إنما هي العودة للمنابع الصافية في الكتاب والسنة ومحاكمة كل المذاهب والآراء والفتاوي والإجتهادات إليهما. وبهذا المعنى الحقيقي للدعوة السلفية فإن الحركة الإسلامية حركة سلفية تريد رد الحياة لتستقى من المشارب النقية وتهتدى بالأنوار الباهرة للقرآن المجيد والسنة المطهرة. وهي لا تحتاج أن تختار بين الصوفية والسلفية فهما لا يتوازيان بل هي صوفية متبعة للمنهج السلفى. فشأنها شأن غالب أهل السودان الذي يبغضون البدعة ويكرهون التشدد ويحبون الاستقامة وأهلها والزهد وأهله ويحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ينبغي أن يُحب فوق حب المال وحب الولد وحب النفس الثاوية بين الجنبين.
ذكرنا في مقامٍ سابق أن الحركة الإسلامية مثلما تشربت بالفكر الصوفى وتربت بالآداب الصوفية فهي أيضا حركة سلفية بالمعني الحقيقي للحركة السلفية . تلك التى تعنى رد الحياة لتستقى من المشارب الصافية الأصلية المتمثلة في الكتاب والسنة وفي نهج السلف الصالح المتبع للكتاب . والحركة السلفية إنما نشأت علي عهد الإمام أبن تيميه حركةً لإحياء الأصول . وكذلك على عهد الإمام محمد عبده . وقد أخذ عنه منهجه الإمام رشيد رضا أستاذ الأمام البنا . فالسلفية حركة إحيائية تسعى نحو إصلاح الشأن الخاص والعام بما صلُح به أولاً . وهي بهذا المعنى إنما نشأت حركة تجديد لأن التجديد انما هو إحياء الأصول وتذكير الناس بها وإزالة ما شاب الإفهام مما ليس هو أصل في الدين . مثلما هو اجتهاد وإضافة للفقه والفكر ليؤائم ويلائم متغيرات العصر والزمان . فما صلح به الأمر في الفروع في عصر من العصور ليس صالحاً بالضرورة لإصلاح الشأن فى عصر آخر. ولذلك اجمع العلماء علي أن الإجماع الملزم هو إجماع أهل عصر من العصور لأهل عصرهم ولا يتعداهم لأهل العصور الأخرى. والحركة الإسلامية في السودان حركة تجديد بكلا المعنيين الأول الإحيائي والمعني الثاني الاجتهادي. فهي تُعيد قراءة الأصول وتعيد مراجعة الفهم لهذه الأصول. للعودة بالافهام إلي المشارب الصافية النقية . وهي تتبع المنهج الإحيائي عند تناولها لفهم أصول الفقه لإحياء ما أندرس من المعانى ولتصحيح ما غلط وأخطأ فيه اللاحقون . وتصويب الإفهام للنظر الصحيح للكتاب والسنة ولسيرة النبي صلي الله عليه وسلم وسيرة أصحابة عليهم الرضوان . وسيرة السلف ممن اتبعهم بإحسان من التابعين والصالحين. وهو تجديد يرتكز علي تجديد رؤية المسلم لعلاقة الإنسان والكون والحياة بالله الخالق الواحد الأحد. تجديداً يرتكز علي مفهوم التوحيد. فالمنطلق للتجديد يبدأ من قضية الإيمان التوحيدي . وإعادة طرح رؤية التوحيد بصورة تتجاوز نظر المتكلمين وأدلتهم وبراهينهم العقلية و شروحات الفقهاء ومباحثهم اللغوية والحكمية وهي تتجاوز كذلك نظر المتصوفة الذين اهتموا بمعاني الإيمان وعلائقه ووشائجه بالنفس الإنسانية . ولكنهم لم يمُعنوا النظر في مغازيه ومعانيه في حياة الجماعة والأمة لأنهم ركزوا علي التجارب الوجدانية الذاتية. ورؤية الحركة الإسلامية لا تستغني عن ذلك كله . فهى تستفيد من عقلانية الفلاسفة وتحقيقات الفقهاء ورؤى المتصوفة . وتضم كل ذلك إلي معاني القرآن المتجددة الخالدة. فالقرآن أوقيانوس للمعرفة لا تنفد ذخائره . ولا يبلغ المتأملُ فيه حداً ولا يدرك افقاً. وهي أى الحركة الإسلامية تستجيب في إحيائها لمعاني الدين الأصلية لما أنكشف من مستور علوم الإنسان والطبيعة فعزز قدرة الإنسان علي فهم كتاب المقروء والكتاب المشهود.
د. أمين حسن عمر
من كتاب الحركة الإسلامية سؤالات و إجابات