د.هيثم بابكر يكتب : رسالة الي الشهيد علي عبدالفتاح ورفاقه بعد ربع قرن

الخرطوم : الرآية نيوز

د.هيثم بابكر يكتب :
رسالة الي الشهيد علي عبدالفتاح ورفاقه بعد ربع قرن

الكتابة اليكم جد عسيرة ، والوقفة علي اعتاب بابكم بعد ربع قرن من الزمان تحمل في الصدور الكثير ، فما عادت الدنيا هي الدنيا فقد اسرت لُبّنا واسترقت قلوبنا ، وما عاد في العمر بقية .. الايام ياعليُّ سارعت الخطي تحمل في طياتها الاحداث .. لا اكاد اصدّق ان جسدكم الطاهر مدفون في بلاد اخري اسمها جمهورية جنوب السودان .. يفصلها خط التقسيم الوهمي علي اطلس الجغرافيا ، ولا ولن تنفصل تفاصيل ردمياتها وغاباتها واهلها الطيبون عن وجداننا فلكل شبر فيها لنا فيه قصة ودم وعرق وشهيد .. تُري هل فرّطنا لهذا الحد ام أنّ عجلة الزمان كانت اسرع مما نظن ، أنظر اليوم الي شاخص قبرك في مخيلتي لاعلم انني في رحلتي القصيرة عبرت من هناك ، فنسأل الله القبول..
تُري هل اراد الله امتحان صبرنا ام اننا اصبحنا متبلّدي الاحساس فاقدي الهمة شغلتنا اموالنا واهلونا ؟
تُري هل اراد الله لنا تمحيصا بتمييز الخبيث من الطيب استعدادا لمعركة فاصلة بين الحق والباطل ، أم انها النهاية المُؤلمة يا علي ؟
ارسل اليك رسالتي هذه ولعل طابع البريد قد اختفي لكن محبتنا اليكم وشوقنا للقياكم يتجاوز كل ممسكات التواصل فتقبلها علي علّاتها فرجاءنا فيكم من بعد الله كبير ..
الايام يا علي .. في السودان اصبحت كالساعات .. والاحداث في بلد خرجتم بارواحكم واجسادكم النحيلة دون تقسيمه وتمزيقه ، واخماد شعلة الدعوة فيه ، امتدت اليه يد العابثين ، وبين مصدّق ومُكذّب وقفنا جميعا في زهول وتلاوم ينظر بعضنا لبعض .. ونحن كما نحن ، قلت عنّا فصدقت .. نقرض الشعر ونغتاب القيادة ..
بعد نيف وعشرين عاماً يا علي ..فقدت البلاد وليدها الذي رافقكم في الجهاد والعبادة ، وامتطي سنام الامر عِقاب الله لنا في التنازع والتولي فاستُبدلت الانقاذ الثورة ، بثورة اخري.. وقودها جيل ما بعدكم ، اعمارهم دون الخمس والعشرين التي فرّطنا فيها ، هاهم في عمر الدباببين يسدون الطرقات ويعاقبوننا بالرزائل والشتائم والتخريب والتحريض ، ونرد عليهم بجُبننا وصمتنا والعجز العضال..
خمس وعشرون عاما .. وانتم في نعيم مقيم ، تمتحون من انهار الجنة ، ارواحكم في حواصل طير خضر تحوم حول عرش الرحمن ، يكسوكم تاج الوقار ، تنظرون الينا من طرف خفي ، بالله عليكم كيف تروننا وقد تبدلت في مرآة الزمان اجسادنا واخلاقنا واهتماماتنا ونظراتنا لبعضنا البعض .. فالاجساد ما عادت لتقوي علي المسير ، وخارت في طرقات الدعوة قوانا فما عدنا بذات الهمم ، نصعد الي اعالي جبال التلاوم والحنين الي الماضي ونجلس تحت جبال الهموم التي خيّمت فوق هممنا فما عادت لنا مساحة في بيت شعرك الوسيع وانت تحدث أمك حاجة كريمة وتخبرها عن اخوانك ..
لرأيتِ من حولي يرابط إخوة
ما ذمموا هرباً ولم ينهاروا
إخوان صدق عندما احتدم الوغى
لحمى العقيدة والشريعة ثاروا

اخي علي .. ما اصعب جبال الصبر حينما يتجلّد لها الشجعان بالصعود ، وما اصعب سهام الدنيا حينما تشق صدورنا نظرات الاخوان لبعضهم البعض إتهاما بالتقصير والتأخير والوحل والركون والتشاؤم والملامات.. وما اقسي الوقوف عند كلماتك بعد ربع قرن ..وانت تُحسن الظن بنا وتخبر عنّا جيلا بعد جيل وترانا حينها كما تحب ..
وتدافعوا متطلعين إلى العلا
وتسابقوا نحو الفداء وتباروا
صبروا لها حتى انجلت غمراتها
وانفض من ساحتها الكفار.
اخي علي ..
كلما مررت بقولك .. فمضى لعلياء الشهادة منهم
نفر كرام خلص أخيار
فهم مصابيح الهدى وضياؤه
وهم إذ احتدم الدجى أقمار..
تحدثني نفسي بياتُري هل أغلقت اللستة وانتهي عدد المخلصين ؟ أم تُرنا ندخل بطمعنا في ظل المحبة ؟.. وكلما ركنت شدّني إحساس داخلي مبعثه انتم باستبشاركم الا نخاف ولا نحزن .. وكلما تراجعت للخلف خطوة شدّتني للامام هِمّتك خطوتين وتذكرتك وانت تردد رغم الجراح ..
لهفي عليهم سارعت بهم الخطى
نحو الجنان وفى النعيم تواروا
أسفي على نفسي تبقت خلفهم
تنتابها الأهواء والأخطار
ألم تناوبني لفقد أحبة
من نورهم تتلألأ الأنوار
وأقول فى نفسي يمزقني الأسى
لولا الحياء لهاجني استعبار
ويملؤني اليقين انك لحقت ونلت وفزت ، فما ذلك عنا عند الله ببعيد ..
اخي علي ..ربع قرن مضي ..
وكلما رأيت كيدهم ، ومكرهم وتدبيرهم للنيل من دعوتنا يتجدد في داخلي قولك ..
ايها الرعديد زد في القصف دون و تمادى
انت قد دونتنا حتى مغيب الشمس هل من زيادة..؟
فمهما ادلهمت بنا الخطوب وتطاول علينا الاحساس بالعجز والتقصير ، تظل كلماتك وقودا لارواحنا نشعل منه سراج تقدمنا نحو عودة هذا الدين الي شعاب الحياة في سودان حر آمن مستقر، نجدد فيه عهدنا ونوحد فيه صفنا ونعلي فيه رايتنا ونخلص فيه نوايانا لوجه الله ، مؤمنين وموقنين بان ميعاد ان نلتقي بك قائم ، ونرسل بعد خمس وعشرين عاما رسالتنا بذات حروفك الي كل من اراد لنا الذّلة والخنوع والتراجع ،
قسماً نغلظه إن زدت زدناك عنادا
قسماً أغلظ لا نبرحها إلا لعز النصر أو نصر الشهادة.
اخي علي ..
اذا شاء الاله بنا افتراقا .. فان الله يفعل ما يشاء
وان ما قُطّعت سُبل التلاقي .. فأن وصال ما انقطع الدّعاء ..
وان صدقت لخالقنا النوايا .. ففي جناته يكن اللقاء ..

ولك الود كلّه ..