دكتور ياسر أبّشر يكتب : “الوجه الضاحك للشيطان”: فتح الله غولن (2)

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

دكتور ياسر أبّشر يكتب :

“الوجه الضاحك للشيطان”: فتح الله غولن (2)

كتب كثيرون عن فتح الله غولن. لكن أشهر من كتب، وأكثر من يعرف فتح الله غولن هو الكاتب التركي لطيف أردوغان. وليست للطيف أردوغان قرابة بالرئيس التركي. كان لطيف أردوغان من تلاميذ فتح الله غولن، نال ثقته وقرّبه حتى أصبح يده اليُمنى ونائبه في تنظيم “الخدمة”. كتب أولاً السيرة الذاتية لغولن. ولكن كثرة المجالسة وطول الاتصال الذي دام أكثر من أربعين عاماً فتح ذهن لطيف على العالم الحقيقي والشخصية الحقيقية لغولن فانشق عنه عام 2009، وألف كتابه الثاني: “الوجه الضاحك للشيطان”.

وفي لقاءات متلفزة معه كشف الكثير المثير عن الرجل. ومن ذلك أن طموحات غولن لا تحدها حدود، وأنه يخطط ليصبح خليفة لكل مسلمي العالم بتنسيق وثيق مع المخابرات الأمريكية وإسرائيل، وفي سبيل ذلك تنازل عن أسس ومبادئ الدين بما يحقق أحلامه ويرضي المخابرات الغربية والمسيحية والموساد. وكمثال واحد على تنازلاته المبدئية للغرب مهاجمته لحجاب النساء، تماماً مثلما كان يفعل محمود محمد طه. ومثل محمود يتعاطف مع إسرائيل ولا يضع اعتباراً لمظالم الفلسطينيين. وكلاهما – – وكما يحب الغرب – يعارضان الجهاد رغم آياته الصريحة في القرآن، وتعريف العلماء له كوسيلة لمعارضة الظلم ومعارضة كبت الحريات في كل مكان .

كتب غولن رسالةً لبابا الفاتيكان قال له فيها إنه يضع نفسه تحت تصرفه: “نحن في خدمتك”!!!! وكان متعاطفاً مع إسرائيل لدرجة أنه بكى لمّا قصف صدام إسرائيل بصواريخ اسكود عام 1991، لكنه لم يكن يبدي أي تعاطف مع الفلسطينيين أو قتل إسرائيل لأطفالهم، بل إنه اعترض على إرسال الأتراك لسفن اسطول الحرية لإغاثة غزة ولم يستنكر قتل الإسرائيليين للمتضامنين الأتراك في سفينة مرمرة كبرى سفن الأسطول عام 2010 في المياه الدولية في البحر الأبيض. بل استنكر إرسال سفن الإغاثة.

قال لطيف إن غولن اعترف له بعلاقته مع اسرائيل، واعترف له بأنه يرفع تقريراً شهرياً لوزارة الخارجية الأمريكية عن الأوضاع في تركيا، لكنه كان متبرماً أن الدبلوماسي الذي يتلقى منه التقرير الشهري شاب صغير في العشرينات من عُمره!!!

يفيد لطيف أردوغان أنهم في تنظيم “الخدمة” كانوا يحرصون على تجنيد الشباب منذ عمر مبكر لتسهل السيطرة عليهم وتشكيلهم وفق أهواء غولن، ولأنهم لا يعرفون كثيراً عن الإسلام فإنهم يعتبرون تعاليم شيخهم غولن الحقيقة المطلقة (واتباع محمود محمد طه يرون أنه مالك الحقيقة المطلقة أيضاً)، وظل التنظيم يرعى هؤلاء الشباب ويتدخل حتى في اختياراتهم للكليات التي يدخلونها. ويفيد أن تركيز التنظيم انصب حتى على الوظائف التي يتقلدها أعضاؤه في الخدمة المدنية وفي الخدمة العسكرية، بالتركيز على ستة مجالات هي: الجيش والشرطة والأمن والقضاء والإعلام والتعليم، وظل التنظيم يتابع تقلّد أعضائه للوظائف في هذه المجلات ويتابع تدرجهم إلى الدرجات العليا.

وباعتراف نائب قائد الجيش الذي اشترك في انقلاب 2016، واعتراف آخرين كذلك، فإن التنظيم كان يسرق امتحانات التأهيل لدخول كليات الجيش والشرطة لعشرات السنين، ويسلم حلولها لأعضائه وأنه هو شخصياً دخل الكلية العسكرية عبر هذه الطريقة، وأدخل التنظيم الآلاف من أعضائه عبر هذا الفساد، وحرص تنظيم غولن على تمكين أعضائه طيلة عشرات السنين في المجالات المذكورة حتى أصبح له تأثير ضخم في كل تلك المجالات، وأقام هيكلاً تنظيمياً سرياً مرتبطاً بالموساد وCIA، تؤدي فيه القيادات قسم الولاء وقسم الطلاق الأبدي من الأزواج لغولن وتبقى فيه الطاعة مطلقة له.

بلغ نفوذ غولن شأواً طاغياً، وبمساعدة المخابرات الأمريكية فتح غولن 145 مدرسة حول العالم، مع تركيزها في دول آسيا الوسطى لإبعادها عن النفوذ الروسي. وقال لطيف أردوغان إن أساتذة الإنجليزية في كل مدارس تنظيمهم عملاء للمخابرات الأمريكية يرفعون تقريرهم لها، ويراقبون الحركات الإسلامية في الدول الإسلامية. أصبح للتنظيم 150 مؤسسة إعلامية من بينها 16 محطة تلفزيون وصحف وإذاعات وجامعات وبنوك، وأنشأ 9 ألف شركة!!! وقُدّرت ثروة تنظيم “الخدمة” وأصوله بمبلغ 150 مليار دولار حول العالم!!!!! وفي تركيا أصبح التنظيم دولة داخل الدولة واشتهر “بالكيان الموازي” للدولة. وأقام علاقات الاستثمار والتجارة مع الأثرياء اليهود في أميركا وفقاً لشهادة رجل الأعمال السوري/ الأميركي سمير الحافظ والذي قال إنه هو نفسه نصح رجال الاعمال الموالين لغولن بذلك.

أمّا التشابه الآخر بينه ومحمود محمد طه فيتمثل في قبوله تسمية أتباعه إيّاه (بالمهدي المنتظر) تارة (وبالمسيح) تارةً، مثلما كان يوصف محمود محمد طه بالمسيح المُحمّدي!!! ويقول لطيف أردوغان: إن غولن كان يقبل من اتباعه قولهم أنّه: يلتقي بالله ويتصل بالله في كل وقت، وفي البداية كانوا يقولون إنه يلتقي مع الرسول. وهنا تشابه مع محمود محمد طه الذي أخذ يتلقى شريعته من الله كفاحاً حتى سقطت عنه الصلاة المعهودة!!! وقال لطيف إن غولن كان يعتقد – وقال له – أن غضبه يُولّد الزلازل والزوابع والبراكين!!!! وكان أتباع محمود (مثل دالي) ينذرون الناس بالطوفان وما إليه إذا قتل النميري محموداً!!!

وقال غولن للطيف: إن الله يتحدث معه، وإنه كان يبقي الكائنات من أجل محمد والآن يبقيها من أجله هو (قولن)، وأقسم بالله أن هذا ما قاله له غولن، وأضاف وكنت وقتها أعتبره من الاولياء وأنّ مثل تلك المقالة لا تتعدى أن تكون شطحة من شطحات الصوفية!!!!

ويقول غولن في فيديو موجود في الشبكة العنكبوتية: إنه يعتقد أن الشاي يقوي الإيمان!!! وقال إنه يسمع ما لا يسمعه الناس!!! ويقول: “فجأة تمثل الرسول الأكرم أمام عيني، لم تكن رؤيا بل حقيقة، وقال لي: لقد تركنا تركيا لفلان (ملمحاً إلى شخصه)”!!!!!
يدّعي غولن أنه ضد السياسة، وقال في نفس الفيديو: “لو أسس جبريل حزباً لما دعمته” رغم أنه يعمل للتأثير في السياسة الداخلية عبر شبكة إعلامية ضخمة وعبر أتباعه في التعليم والشرطة والقضاء والنيابة والصحافة، ويعمل في السياسة الدولية عبر تعاون وثيق مع أجهزة مخابرات دولية لتغيير نظام الحكم في تركيا وخارجها.

وهكذا خدع غولن الناس أنه متصوف، وحتى الرئيس أردوغان صرّح أنه انخدع فيه، وأتباعه لا يعرفون عن الاسلام إلا ما يقوله لهم، لأن عشرات السنين من فرض العلمانية أضعفت العلم الديني في تركيا، وكانت علمانية تركيا مثل علمانية فرنسا استئصالية متطرّفة خاصة إزاء الإسلام. وأقام غولن نظاماً ماسونياً شديد الارتباط بالصهيونية والمخابرات العالمية، وبسرية تامة ونظام الخلايا العنقودية. وقال لطيف أردوغان إن غولن حلّل شرب الخمر وعدم الصلاة لضباط الجيش والشرطة والأمن من أتباعه وأمرهم أن يتظاهروا أنهم كماليون حتى لا يُكتشفوا، فالغاية عنده تبرر الوسيلة.

يقول دكتور عبد القادر الحسين الأستاذ في جامعة دمشق إن كل علماء الإسلام الأتراك المحايدين المنصفين يرون أن جماعة فتح الله غولن: “جماعة مشبوهة” وأنها تسعى لتذويب الفوارق بين المسلم والكافر!!!! ويقول إن المسلمين مغبونون فيها وهو قوي الصلة بالعلماء الأتراك وبجماعة النورسي الأصل التي لا تثق في غولن. جدير بالذكر أن غولن رفض أن يلتقي بالمفكر بديع الزمان النورسي طيلة حياته، وكانت حُجَته أن النورسي كُردي!!!

دكتور ياسر أبّشر
———————————
16 يوليو 2022

دكتور ياسر أبّشر يكتب : الوجه الضاحك للشيطان : فتح الله غولن (1)

اترك رد