دكتور ياسر أبّشر يكتب : ” الوجه الضاحك للشيطان ” : فتح الله غولن (1)

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

دكتور ياسر أبّشر يكتب :

” الوجه الضاحك للشيطان ” : فتح الله غولن (1)

مساء 15 يوليو 2016 اقتحم جنرالات من الجيش التركي مكتب رئيس الأركان التركي خلوصي أكار في أنقرا، وهم شاهرو أسلحتهم، ومعهم مدير مكتبه وأبلغوه أنهم استولوا على السلطة، وطلبوا منه التوقيع على بيان الانقلاب. رفض خلوصي أكار التوقيع ووصفهم بأنهم مجانين وأنهم يرتكبون جريمة وأنهم سيدفعون ثمناً غالياً لفعلتهم تلك. قال له كبيرهم إنه يمكنه أن يتحدث مع “قائدهم” لعله يقنعه، فرفض. قائدهم الذي يعنونه هو فتح الله غولن المقيم في قصره في ولاية بنسلفينيا الأمريكية. ولما رفض قيدوه واقتادوه لقاعدة عسكرية يسيطرون عليها.

في ذلك الوقت كان الرئيس رجب طيب أردوغان يقضي إجازته مع أسرته في فندق في منطقة مرمريس على ساحل البحر الأبيض جنوب غربي تركيا. وحوالي ما بعد الساعة التاسعة ليلاً أخذت تصله محادثات تفيده بوقوع انقلاب عسكري سيطر على تركيا. عندها جاءه مدير الفندق وعرض عليه يختاً يحمله إلى إحدى الجزر اليونانية القريبة. استشاط الرئيس من هذا العرض واستنكره مما جعل مدير الفندق يعتذر عن اقتراحه.

دخل أردوغان إلى غرفته وتوضأ وصلى ركعتين ثم قال: بسم الله وخرج إلى مطار المدينة. في ذلك الوقت قام مدير المخابرات التركية هاكان فيدان الموالي لأردوغان بقطع الاتصالات الخاصة بالتواصل مع الطائرات، حتى لا تُعرف وجهة الطائرة التي سيستغلها أردوغان.

بعد مدة وجيزة جاءت ثلاث طائرات هيليكوبتر إلى الفندق في مرمريس تحمل قوات خاصة تبحث عن أردوغان لقتله، وأطلقت النار على ما تبقى من الحرس الرئاسي وقتلت عدداً منهم، إلّا أنها فوجئت بأن الرئيس غادر الفندق فانسحبت.
وفي نفس يوم الانقلاب واليوم الذي تلاه عقد اجتماع في فندق اسبلندد يومي ١٥ و١٦ يوليو ٢٠١٦ بجزر الأميرات (الكناري) برئاسة ضابط CIA هنري باركي حضره ١٧ عميل أجنبي. كانوا يناقشون الانقلاب في تركيا وترتيبات ما بعد قتل أردوغان.

بعض الصحف الغربية والتركية قالت إن العقل المدبر للانقلاب هو الجنرال الأميركي جون كامبل بدعم من سي آي إيه عبر أموال حولت من نيجيريا من بنك UBA من ثمانين حساباً مصرفياً.

أمًا من أشار له الجنرال الانقلابي الذي اعتقل رئيس هيئة الأركان “بقائدنا” فكان رجل الدين فتح الله غولن الذي يبلغ من العمر الآن 81 عاماً والذي ظل يقيم ببنسلفانيا منذ 1999. وهو شخصية غريبة الأطوار، بدأ حياته كواعظ في مدينة أزمير ومديراً لمدرسة قرآنية، واشتُهر بأنه بَكّاء أثناء وعظه، وقدرات في الدراما أثناء حديثه جعلت له تأثيراً على الشباب والصغار تحديداً. وأخذ يشرح “رسائل النور” بخاصة.
أمّا رسائل النور فهي عنوان تفسير القرآن الذي كتبه العالم المفكر التركي بديع الزمان سعيد النورسي المُتوفى عام 1960. والذي حاز إعجاب الملايين بعلمه وحكمته وجذب له القلوب. ولكن جماعة النورسي التقليديين لم يثقوا به، رغم أنه يدعي أنه نورسي الهوى متتلمذ على العلامة الكبير. ثم استقل بجماعته التي سماها فيما بعد جماعة “الخدمة” بدعوى أنها تخدم الطلاب لأنه بدأ بتجهيز داخليات للطلاب سماها “منازل النور”.

ركز غولن نشاطه على الطلاب الصغار فأخذ ينظم معسكرات صيفيه يدرِّسهم فيها رؤيته لرسائل النور، ويتحدث كشيخ صوفي. وأخذ هؤلاء الشباب ينظرون له كشيخ صوفي ورباهم على هذا الاعتقاد، فتتلمذوا على يديه تتلمذ المريد على الشيخ الصوفي.

خلال العقد السابع والثامن من القرن العشرين برز فتح الله غولن كمهتم بالطلاب وتدريسهم ورعايتهم، وقتها كانت تركيا محكومة بغلاة العلمانيين الذين يحاكمون على قراءة القرآن بالعربية وتدريس رسائل النور، وقبل ذلك حرّموا الآذان بالعربية وحرَّموا الحجاب ومنعوا المحجبات من الجامعات والوظيفة واعتقلوا الشيوخ. ولذلك كان السماح لغولن بكل ذلك النشاط مثار استغراب وشكوك، لكن تلامذته كانوا يعتقدون أن بركة شيخهم هي التي تنزل العناية الربانية عليهم وتحميهم من مطاردات السلطات.

عُلِم فيما بعد أنه ابتداء من قائد انقلاب 1980 الجنرال كنعان إيفرين سمح العلمانيون لفتح الله غولن بالنشاط استثناءً بشرط التنسيق معهم. وسُمح له بفتح المدارس الخاصة التي أصبحت تُدرُّ له دخلاً محترماً، وسُمِحَ له بعد ذلك برعاية 65 ألف طالب في منطقة أزمير وهي إحدى قلاع العلمانية في تركيا حتى اليوم، ولوحظ أن المناهج الدراسية في مدارس غولن – التي زادت أعدادها – كانت مناهج علمانية خالية من الدروس الإسلامية رغم صورته العامة كشيخ صوفي. وهكذا ظل يرعى الطلاب، عبر نظام أقامه، أطبق سيطرته على حياتهم وتفكيرهم، ورباهم على مناهجه فأصبحوا عبر السنين بين يديه كما يكون الميّت بين يدي غاسله طاعة وامتثالاً.

سنبيِّن في المقالات التاليات أن التطور الفكري والسياسي والتنظيمي لفتح الله غولن يشابه ذلك الذي مرّ به محمود محمد طه وجماعته “الإخوان الجمهوريون” في السودان، وأن ذلك التطور هو الذي قرّب غولن من اسرائيل والغرب مثلما قرّب محموداً والجمهوريين والعلمانيين عامة من الغرب فأصبحوا له عملاء.

دكتور ياسر أبّشر
——————————-
15 يوليو 2022

تعليق 1
  1. - الراية نيوز

    […] […]

اترك رد