الخرطوم : الراية نيوز
إبراهيم عثمان يكتب :
جذريون أم جزارون ؟
▪️ لا أدري من هم أؤلئك العباقرة الذين فكروا للشيوعي واقترحوا الجذرية عنواناً لمشروعه للتغيير ، فالطبيعي لحزب ذي فكر غريب تسبب في صغر حجمه، إذا أراد أن يعالج مشكلته، أن ينزع إلى طمأنة الرأي العام وتبني عنوان يعد بالاعتدال والتخلص من جزء من حمولته الأيديولوجية التي تصنع النفور الشعبي منه، فالجذرية لحزب متهوم أصلاً بالتطرف هي أسوأ عنوان، خاصةً إذا أضاف إليها جذرية عبد الواحد محمد نور الذي يريد تفكيك الدولة بالكامل وإعادة صياغتها وفق تصوره، وجذرية الحلو الذي يريد ذات الشئ، ويصل تطرفه في العلمانية حد المطالبة بإلغاء إجازة الجمعة وقائمة طويلة من المطالب الجذرية الأخرى المعاندة للشعب قبل حكامه .
▪️ رغم اجتهاد الحزب الشيوعي لإعطاء كلمة الجذرية معانٍ إيجابية تربطها بـ “مطالب الشعب”، في مقابل الإصلاح الذي يرى بأنه يخذلها، وحتى يتآمر عليها، لتكون الجذرية هي المعادل الموضوعي لمطالب الشعب في تمام نضجها وصحتها واكتمالها، إلا إنه يفعل العكس حين يختصر الأمر في أهدافه ورؤاه الخاصة المتطرفة، فيقزم الأهداف ويجعلها على مقاسه متجاهلاً مصالح وتطلعات الأغلبية، لتبدو “الثورة” المزعومة وكأنها ثورة بلشفية كاملة مع رتوش مواءمات سطحية ..
▪️ إذا أخذنا في الاعتبار الحجم الحقيقي للحزب الشيوعي ووجوده “السطحي” بين فئات المجتمع فإن “الجذرية” الساعية لتحقيق أكبر وأعمق تغيير بواسطة أصغر الأحزاب، وأبعدها عن تطلعات الشعب، ستجعل مساعيه بمثابة خيانة مكتملة للشعب، وشروع في نحر السياسة، وإلغاء قواعدها ومواضعاتها، لأن كلمة الجذرية، في السياق الشيوعي، تحيل – بشكل أكبر مما تفعل عادةً – إلى معاني الإطلاق بمعناه السلبي، الدوغمائية، معاداة النسبية، التطرف، التشدد، الانغلاق، الإقصاء، الدكتاتورية، معاداة الإصلاح، ومعاداة التسوية، والبعد كثيراً عن تطلعات الشعب . ومن يظهر هذا القدر من التعنت ونزعة الإقصاء والدكتاتورية وهو في مرحلة التبشير بمشروعه سيكون بالتأكيد أكثر دكتاتوريةً إذا نجحت مساعية للسيطرة الكاملة على الحكم .
▪️ إذا كان” الإصلاح الثوري” بالطريقة التي تريدها قحت يحمل الكثير من الجوانب السلبية فيما يلي الهروب من الديمقراطية والانتخابات، وحرية المعارضة، وما يلي تسييس القضاء، والاقتباسات الرثة من نفايات الحضارة الغربية متمثلة في العلمانية بالتركيز على لوازمها المناقضة لديننا وقيمنا وأعرافنا ، فإن الجذرية الشيوعية، هي إمعان في الجوانب السلبية من “الإصلاح الثوري” القحتي .
▪️ يمكن القول إن وجود أو عدم وجود الشيوعي ضمن تحالفات مع أحزاب أخرى هو
أحد مؤشرات عافية الدولة السودانية، بحيث يؤشر وجوده ضمن تحالف إلى درجة ما من درجات عافية الدولة، لأنه لا يقبل بهذه التحالفات الاضطرارية إلا عندما يقدِّر بأن الدولة قوية بالقدر الذي لا يسمح له بالطمع في هزيمتها والاستيلاء عليها منفرداً، وتقديراته ليست خاطئة دائماً، وإن كانت قابلة لعدم الدقة، وانفراده بتحالف خاص بينه وواجهاته يؤشر إلى أن الدولة تمر بحالة ضعف ، في تقديره على الأقل، تجعل استيلاءه عليها ليس مستحيلاً ..
▪️ ليس هناك ما يلجم الطموحات المجنونة للشيوعي سوى دولة قوية وحكومة تقوم بمهامها بكفاءة، وقوى سياسية وطنية وإسلامية فاعلة لا يستهين بها الشيوعي، ولا قحت، ولا يطمعون، كل على طريقته، في الاستيلاء على السلطة بلا انتخابات، وهم على قناعة بأنها لن تعرقلها في مرحلة السعي ولن تعارضها بعد الاستيلاء معارضةً يُخشَى منها .
إبراهيم عثمان