إبراهيم عثمان يكتب : لماذا لم يقبل حمدوك استقالة القراي ؟

السودان

الخرطوم: الرآية نيوز

لماذا لم يقبل حمدوك استقالة القراي ؟

من الواضح أن حكومة حمدوك تعلم أن مشروعها العلماني هو مشروع أقلية لا تزيد عن عضوية أحزاب الفكة القحتية ( البعث والجمهوري والشيوعي والناصري والمؤتمر السوداني)، وأنها توقن بأن سمعة العلمانية سيئة وسط الأغلبية الشعبية، ولذلك تعتمد عدة حيل لتمريرها منها : حيلة التدرج، وحيلة إعادة التسمية، وحيلة العمل في صمت وعدم التبشير بالعبور العلماني، وباقي الأحزاب القحتية ( الأمة والتجمع الاتحادي) تمارس حيلة التحفظات الخجولة التي لا تعرقل المشروع . وهذا ليس تحليلاً بل معلومات ذكرها د. محمد يوسف القيادي بحركة الحلو، فقد ذكر في مقابلة منشورة : ( الغريب في الأمر كل أعضاء وفد الحكومة المفاوض يقولون أنهم موافقين علي كل ما تطرحه الحركة الشعبية عن علاقة الدين بالدولة ولكن النص صراحة علي كلمة علمانية يمكن أن يخلق لهم مشاكل مع المواطنين الذين لا زال الجهل يسيطر علي مجموعات كبيرة منهم)

الحزب الوحيد الذي يستعجل العلمانية الكاسحة ولا يمارس أياً من هذه الحيل هو الحزب الجمهوري، وهو يحرج الحكومة بصراحته ووضوحه، وقد عبر مدير مكتب حمدوك بكل وضوح عن ذلك، فقد ذكر في مقابلة صحفية أن ( حمدوك لم يتوقف عند الحمولة الأيديولوجية الثقيلة عند القراي حين اختياره وحين الصمت عليه ) وأن ( القراي شغوف بالإعلام ولو أنّه استجاب لملاحظات رئيس الوزراء، وتفرّغ لعمله بعيداً عن الضجيج، ربما كان بمقدوره أن يفوّت الفرصة على الذين يترصدونه) وأضاف ( القراي يعلم أن حمدوك ربما أقاله منذ أشهر لو لم يكن جمهورياً لأنه يعلم بأن هناك من يقفون ضده انطلاقاً من توجهه الفكري). ويتضح من هذه الأقوال أن :-
– حمدوك عين القراي في منصبه رغم علمه بالحمولة الأيديولوجية الثقيلة عنده بل ربما عينه بسببها لحاجة المشروع العلماني إليه لسد هذه الثغرة المهمة .
– حمدوك “صمت” على الحمولة الأيديولوجية الثقيلة المعلنة في البداية عسى أن تمر ولا تجد ممانعة يُوبَه لها.
– حمدوك اكتفى بتوجيه القراي بالتزام استراتيجية التمكين العلماني الصامت وعدم المجاهرة بقناعاته وخططه للتغيير “الجذري” للمناهج عندما بدأت الاحتجاجات ضده تزيد عن الحد الذي تتوقعه الحكومة.
– حمدوك قرر تحدي الحملة ضد الحمولة الأيديولوجية الثقيلة عند القراي لأن القراي جمهوري ولأن هناك من يقفون ضده انطلاقاً من توجهه الفكري.

حتى رد فعل حمدوك بعد توسع الاحتجاجات على مناهج القراي لم يخرج عن سياسة الانحناء المؤقت للعاصفة والدغمسة والتغبيش والتدرج وأنصاف المواقف :
– فقد قرر التجميد للمناهج لا الإلغاء .
– ولم يقبل استقالة القراي .
– وقد استجاب لطلب القراي بأن تكون الشورى مع (الجمهوريين والشيوعيين والبعثيين والناصريين) المؤيدين سلفاً للمناهج مهما كانت، وعين لجنة للمراجعة يرأسها رجل متحمس للقراي ومناهجه، وليس معلوماً إن كان فيها تمثيل للجهات التي قرر التجميد بناءً على احتجاجها.

من كل هذا يتضح أن الحزب الجمهوري والقراي بالذات مهم جداً لمشروع العلمنة الذي وضعه مركز راند الأمريكي وتسير الحكومة على حسب موجهاته، وأن المأخذ الوحيد عليه من جانب حمدوك هو عدم التزامه بالاسترانيجية المتبعة للتحايل على الشعب المحافظ “الجاهل” في نظر القحاتة، وحتى هذا المأخذ لا تأخذه عليه كثير من الأحزاب والحركات التي تكاثرت بياناتها التي تدين تجميد المناهج . ويمكن منذ الآن المراهنة على أن :
– كل ما حوته مناهج القراي يجد القبول الكامل من كل أحزاب قحت عدا حزب الأمة الذي يعترض أساساً على موقف القراي من الثورة المهدية وباقي ملاحظاته مجرد حواشي على هذا المتن، وكل هذه الأحزاب – عدا الأمة – ستضغط من أجل بقاء الملامح الأساسية لمناهج القراي خاصةً تلك التي أثارت الاحتجاجات لأنها أساس مشروع هذه الأحزاب.
– لجنة المراجعة لجنة دغمسة ولن تحذف من المناهج كل الأجزاء التي أثارت الاحتجاجات، والراجح أنها ستحذف بعضها بما يتناسب مع سياسة التدرج المتبعة، ربما يقتصر الأمر على حذف لوحة خلق آدم وبعض الأجزاء شديدة الاستفزاز.
– حمدوك لا يرغب في إقالة القراي بقدر رغبته في الإنحناء المؤقت والتكتيكي للعاصفة، لأن في إقالته طعنة قاتلة للحزب الجمهوري قد تدمر مستقبله السياسي خاصة وأن هناك تعويل غربي على هذا الحزب المتحمس للتطبيع والعلمانية ومشروع مركز راند والتدخلات الإمبريالية ورفع الدعم وكل ما يتسبب في التحفظات الخجولة لبعض أحزاب قحت. وإن اضطر لإقالته فسيكون ذلك بعد التشكيل الجديد للحكومة ليحفظ ماء وجهه ويجنب الحزب الجمهوري سمعة الإقالة على خلفية المساس بالدين والهرطقة وهي تمثل طعنة معنوية تزيد آثارها عن إعدام محمود محمد طه بحكم بالهرطقة، ذلك لأن الحكم في هذه الحالة سيكون مصادق عليه من طرف علماني . وحمدوك الملقب في الغرب بأتاتورك السوداني لن يقبل لصورته هناك أن “تتلطخ” بموقف كهذا.
– القراي لن يغفر “العبث” بمناهجه “المنزهة من الخطأ” مهما كان محدوداً، وسينتقم لنفسه وفكرته في بقية المناهج التي لم تُطبع بعد، لكنه ربما يلتزم بسياسة الحكومة ويعمل في صمت، وحمدوك سوف يناصره ما لم تكون هناك ممانعة قوية تضطره إلى التدخل الماكر للتحايل على الممانعة مرة أخرى .

إبراهيم عثمان

اترك رد