الخرطوم : الراية نيوز
دكتور ياسر أبّشر يكتب:
حزب الأمة: ابن البشير العاق (2)
كان الإمام رحمه الله، مثقفاً وكان مهذباً في تعامله مع الناس. كان يمكن أن يكون باحثاً وأستاذاً جامعياً مفيداً. لكنه كان نرجسياً، فالتربية في بيت المُلك جعلت منه نرجسياً، فأصبح يرى أنه – وراثةً
– أحق بالملك من الآخرين. وأورث مريم تحديداً هذه الخَصلة. يقول زملاؤها في الجامعة إنها كانت تعمل على تخريب أي شيء لم تُجعل على رئاسته، ولو كان فريقاً لكرة القدم!
كتب أحد السفراء الأمريكان عمل بالسودان واصفاً السيد الصادق فقال:
He is the most hesitant person I have ever met
” إنه أكثر شخص متردد قابلته في حياتي”…
حدثني أحد نواب حزب الأمة بالبرلمان إبان حكومة الصادق بأن نواب الحزب كانوا يتذمرون من عدم حسم الصادق لكثير من الأمور الضاغطة المُلحة وقتها، وكان الصادق تبريرياً لكل موقف، ويقول للنواب أحياناً إننا لو اتخذنا موقفاً صارماً قوياً “الناس حيقولو الدنيا بقت مهدية”، كأن عقدة انتهاكات الخليفة عبد الله وجرائمه كانت شبحاً يطارده!
ورغم خبرة الإمام السياسية، إلّا أنه كان كثيراً ما يهيم في عالم أحلامه يغيب به عن الواقع، وهذا مَبْعَث أحد جوانب ضعفه السياسي.
بعد اتفاق جيبوتي صرح الصادق: “كُنّا نريد أن نصطاد أرنباً فصدنا فيلاً”، وطفق يتجهز لصيده فأرسل رسولاً للبشير طالباً تعيينه في منصب رئيس وزراء وتعيين مريم في منصب وزير الصحة، ولأن مريم كانت كما يقول الفرنجة Like father like son فقد شرعت عملياً في تجهيز طاقم وزارتها!
وحين كان “جيش الأمة” في أريتريا قطع الطريق القومي لبورتسودان، وفجّر الخط الناقل للمشتقات البترولية وروّع وقتل. وقبلها حرّض مبارك الفاضل الأمريكان على ضرب مصنع الشفاء الذي كان ينتج نصف احتياجنا من دواء الإنسان والحيوان. ورغم ذلك كان البشير مُصرّاً على إدخالهم للسودان.
حدثني أحد وزرائه أن البشير كان يرى أن بقاء المعارضين بالخارج سيجعلهم لُقمةً سائغة للعمالة، وأن مجرد بقائهم بالخارج سيخلق عدم استقرار ويعطي صورة سالبة عن السودان فينفّر المستثمرين. وكان يقول مهما صرفنا عليهم وهم بالداخل فلن يساوي صرفنا الحَرْبِي. ويسأل: “انتو عارفين تدمير دبابة بكلّف كم؟” ويقول: إذا ضَلّ مواطن فمن واجب الحاكم أن يقوِّمه ويِصلحه، لذلك لابد من المصالحة مع المعارضين ولن نمل عن سلوك هذا الطريق!
كان الإمام رحمه الله ورغم كل شيء؛ عامل توازن في الساحة السياسية السودانية، وكان المحور لحزب الأمة، ولكن بغيابه اختلّ التوازن وانحرف المحور، خاصة أن مريم أصبحت ساعية بشدة لزعامة الحزب.
يشتكي أبناء الأنصار الخُلّص أنهم أصبحوا يحسون بالغربة في دار الأمة، فقد حشدتها مريم بالعلمانيين والشيوعيين واليساريين عامة، وغدا شباب من هذا النفر يجوس خلالها، فلو أنك بدأت حديثك بالصلاة على الرسول ينظرون إليك شذراً مستنكرين، كما بلغني.
وللحقيقة لم أعجب. فقد رأي الناس مواقفها المؤيدة لقحت وهي تبيح الخمر والزنا وتقنن الدستور العلماني وتدعم التيار العلماني. وتناست كل شيء عن “إسلام الصحوة” الذي كان يدعو له الإمام. ضاعت هوية الحزب جراء “تِشِبّر” مريم ومُسِخَت شخصيته أو كادت. وهي لا تُدرك خطورة مسلكها هذا على شعبية الحزب ومستقبله. وقد اتضح من أدائها المتدنّي وهي وزيرة الخارجية فقر قدراتها وقلة حيلتها وضعف تأهّلها (حتى في الإنجليزية لغة الدبلوماسية) لمناصب كبيرة، اللهم إلّا قدرتها أن تُسمّي هي نفسها المنصورة.
كأن مريم تظن أن تغيير هوية الحزب واتّباع سبيل العرمانيين يقربها من العلمانيين والحكم زُلْفَى. يبدو لي أن طموحاتها سوّلت لها أن معارضة سبيل الله أجدى.
تُرى مَنْ مُبْلِغٍ مريم أن سبيل الأنصار هو الذي اختطوه بالشعار الخالد:
“في شان الله”، الذي صدحت به حناجر الأنصار منذ كرري، وأن الدين دين الله وليس دين البشير لتَعُقّه.
كان الإمام كثير التصريح أنه لن ينال منصباً إلّا بالانتخاب، وكان الأمل أن تجعل مريم هذا إرثاً، فتدافع عن ضرورة الانتخابات، لكنها اتّبعت سُبُل أحزاب اليسار التي لم تجد إرثاً إلّا دكتاتورية دول الستار الحديدي Iron Curtain (كما سماها تشرتشل)، ودكتاتورية البعث.
أين الشورى وعدالة الإسلام التي كان يتحدث عنها الإمام. وأين موقفك من التطبيع مع إسرائيل الذي عارضه الإمام يا بت ملوك النيل؟ أم تراها هي الأخرى غدت رجعية مخجلة كما يقول العرمانيون فذهبت – من ثم – أدراج رياح العقوق!
نحن كأبناء أنصار نُحسّ أن مريم باعتنا لحثالة. مريم تلبس “عَلْ الله” وتوالي أعداء الله. لبئس الورد المورود.
هل من منقذٍ لحزب الأمة من مريم؟!
دكتور ياسر أبّشر
———————————
12 أكتوبر 2022