ياسر أبّشر يكتب : المرشد إلى بيع الأوطان(2)

السودان

 الخرطوم : الراية نيوز

ياسر أبّشر يكتب :
المرشد إلى بيع الأوطان(2)

أيْقَنتُ بعد إمعان النظر في تجارب الحكم العلمانية، بل اليسارية خاصة، وكما أوضحت في كتابي «حصاد الشيوعية» أن العلمانية تسلب الرحمة ويقظة الضمير إزاء إنسانية الإنسان.

في ظلّ العلمانية يتحول صاحب السلطة إلى آلة قمع، تبطش بكل من ناوأها بفكره، أو عارضها برأي؛ لأن صاحب السلطة العلماني هو محتكر الحقيقة الوحيد، المؤهّل للوصاية على البشر.
يتجلى ذلك في تجارب حكم الشيوعيين والبعثيين والناصريين خاصة، وفي قهر وإذلال الغربيين لكل البشر في البلاد التي استعمروها أو حاربوها.
واتصالاً لما سبق عن العلاقة بين سيناريو إسقاط البشير وإسقاط السلطان عبد الحميد، نلفت النظر إلى الحقائق التالية:
– يعتبر الأتراك أن الإسلام هو جوهر هويتهم.. ولكن الذين أطاحوا بالسلطان عبد الحميد كانوا تحالفاً من أتراك يعانون من عقدة نقص شديدة إزاء الغرب، وأعضاء محافل ماسونية، ومسيحيين..
وكمثال على عقدهم وانهيارهم أمام الغرب قام أحد رؤساء الوزراء العلمانيين (أنور باشا) بوضع الدستور تحت الكفالة المشتركة للدول الأوروبية.. ووضع الصليب مع الهلال في العلم، وعين 47 نائباً مسيحياً فضلاً عن اليهود في البرلمان المكون من 110 أعضاء، ظناً منه أن هذا هو سبيل كسب ثقة الدول الغربية.
أليس هذا هو حمدوك تركيا وقحت الذين استقدموا يونيتامس (فولكر) وكانوا يسبحون بحمد ما يُسمى (المجتمع الغربي).
ووفقاً لبعض الدراسات والبحوث فقد كان السلطان محبوباً من غالبية الشعب، وكان عدد الماسونيين الذين كانوا رأس الرمح في إسقاط السلطان أقلية لم يتجاوز عددها 10 آلاف، من بين سكان السلطنة البالغ عددهم وقتها 25 مليون نَفْس .
وكانت قحت تجمع أقلية أيضاً، إذ شهد خالد سلك أن أكبر المظاهرات ضد البشير لم يتجاوز عدد المشاركين فيها ألف شخص، ولكن الـ Media Manipulation أظهرتها كبيرة العدد.
– من بين الأربعة الذين واجهوا السلطان للتنازل عن العرش كان بينهم يهودي رئيس محفل ماسوني هو عمانويل كراسو، والأرمني المسيحي آرام.. وادّعوا أنهم عارضوا السلطان للحفاظ على الخلافة الإسلامية، وناشدوا المسلمين للانقضاض على السلطان، الذي «أشاح بوجهه عن أوامر الله ورسوله» وحرق القرآن الكريم!!
وبالمثل صرح قادة قحت وتجمع المهنيين أوّل عهدهم أن البشير والإسلاميين «تجار دين»، وأنهم لن يمسّوا الإسلام وشرائعه.. ومن بين من نشط في إسقاط البشير اثنان من كبار رجال الأعمال، وكلاهما أعضاء محافل ماسونية، أحدهما مسيحي والآخر لا ديني وكانا من بين الذين يُموّنون «الاعتصام».
كلا الداعين لإسقاط السلطان وإسقاط البشير كانا يروجان كأنهما حريصان على الدين الحق، القادمين لاستنقاذه من بين براثن الذين يستغلونه.
– منذ منتصف ستينات القرن العشرين كانت إسرائيل موجودة فعلياً في جنوب السودان، حيث أنشأت أول معسكر نظامي لتدريب متمردي حركة أنانيا.. وتواصل وجودها عبر منظمات غربية التسجيل في السودان، وزارها جون قرنق مرتين.. وتتحدث أوساط الحركة الشعبية أن ياسر عرمان زارها.. وأقام فيها عبد الواحد محمد نور وآلاف السودانيين، وعاد المئات منهم بعد أن جندت الموساد عدداً منهم.. وعبر المنظمات، لإسرائيل وجود في دارفور.. وللموساد اليوم وجود بشري فعلى في عدد من السفارات الغربية يعملون بجوازات تلك البلاد وفي منظمات.. ومنذ زمن الإنقاذ كان لإسرائيل وجود خفي، إذ لولاه لما استطاعت قصف مجمع اليرموك ولا قصف السيارة في بورتسودان، التي كان يستقلها الرجل الذي تتهمه بتهريب السلاح لحماس.
– وكان لليهود والصهاينة خاصة القدح الـمُعلّى في الإطاحة بعبد الحميد.. وموثق دور يهود الدونمة، باعتراف قادتهم واعتراف كتاب يهود كبار.
– كانت الحملات الإعلامية عاملاً حاسماً في تشويه صورة الرجلين.
– اتهم البشير في الصحافة الغربية بالدكتاتورية.. وبالمثل كان عبد الحميد «السلطان الأحمر».
– اتهم البشير باضطهاد المسيحيين في الجنوب.. واتهم عبد الحميد باضطهاد المسيحيين واليهود.
– كما أن الغرب اتهم البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة في دارفور (المحكمة الجنائية الدولية) بمثلها اتهم السلطان وأقاموا له محكمة حضرها السفراء في اسطنبول.
– كانت جمعية تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقي نظيرتهما تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير.. كلها كانت الأيادي والأموال الغربية ضالعة فيها، تأسيساً، وتمويلاً، وترويجاً إعلامياً.
– من طرائف ما وقفت عليه: أن السلطان عبد الحميد كان مثل البشير «يصرف بركاوي» للسفراء، وفعل هذا مع السفير الإنجليزي وطرده من القصر.
– كان هتاف الشباب ضد عبد الحميد: «حرية، مساواة، وعدالة».. وكان هتافهم ضد البشير: «حرية، سلام، وعدالة».. وكان نشاط الشباب في السودان مدعوماً بشركات إعلام غربية مختصة بالدعاية Propaganda مثل شركة كمبردج أنيليتكا.
– تعرض نظام البشير ونظام عبد الحميد لغزو أجنبي.. فقد هجمت على السودان دول إريتريا، وأثيوبيا، وتشاد، ويوغندا، وجنوب السودان.. وهاجمت روسيا واليونان تركيا.. وتمت الهجمات الأجنبية بتحريض وتمويل من الغرب.. وكان هدف الغزو الإطاحة بالرجلين، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل.
– تعرض كلا النظامين لمضايقات أو عقوبات اقتصادية وتجارية من قبل الدول الغربية.
– فُرضت العلمانية على تركيا، وتسنّم العلمانيون وسيطروا على مقاليد الأمور في الدولة، لدرجة منع الحجاب، ومنع الآذان، وتغيير حروف اللغة، من العربية إلى الإنجليزية، وهدمت مساجد، وجرى تحويل مسجد أيا صوفيا إلى متحف ومزار سياحي، وقتل بعض الأئمة..
وفي السودان، فرضت العلمانية بنص الوثائق التي تحكمه والتي رفضت حتى النص على دين الدولة، أو لغتها التي يدين 99% من مواطنيها بالإسلام، ويتحدثون العربية.. وقد أُغلقت منظمات الدعوة الإسلامية، وأغلقت إذاعة القرآن، وأعطيت دار القرآن الكريم لتكون مقراً لامرأة لتروج لقوم لوط والسحاقيات، وطورد بعض كبار علماء الدين، وصودرت أملاك كل المؤسسات الإسلامية، وتم تغيير كثير من القوانين الإسلامية الطابع، وصودرت أملاك كثير من الإسلاميين، وجرت محاولات لإغلاق بعض المساجد، واتخذ أحد المساجد مخزناً لأنابيب الغاز… واتخذت كل هذه الإجراءات بلا أحكام قضائية.
– بعد سقوط عبد الحميد، اعترف بعض قادة جمعية الاتحاد والترقي أنهم خُدعوا بواسطة الماسونية واليهود.. ومن بين كبار القادة هؤلاء أنور باشا، وأيوب صبري، الذي كان القائد العسكري لحركة الاتحاد والترقي. وكتب اليهودي المستشرق Orientalist برنارد لويس: «لقد تعاون الإخوة الماسونيون واليهود بصورة سرية لإزالة السلطان عبد الحميد».
– أما في السودان فقد كتب كثير من الشباب أو تحدثوا معبرين عن ندمهم وخطئهم لإزالة البشير.. لكن الشجاعة لم توات حتى الآن أحداً من كبار من قادوا ذلك الحدث الكبير للاعتراف بأسماء الأطراف الأجنبية التي تواطأوا معها.
– بعد سقوط البشير تعرض أفراد أسرته لكثير من الأذى والظلم، وصودرت أملاكهم بلا حكم قضائي.. حتى شقيقه الطبيب الاختصاصي المقيم ببريطانيا والذي لا علاقة له بالسياسة استكثروا عليه أن يكون له بيت، وسجن شقيقه اختصاصي الجراحة ولم يُسمح له بالعلاج إلّا بعد أن تمكن منه السرطان، فمات بعد أيام من إخراجه من السجن.. وتعرضت أسرة عبد الحميد لنفس الظلم بعد الإطاحة به، ثم أخرجوهم (1924) من بيوتهم بملابس النوم وطردوهم خارج تركيا.. وطُرد من أقاربه حتى الذين عُرفوا بمعارضته بقوة مثل ابن أخته صباح الدين محمود باشا.. كان عددهم 135 شخصاً.
وفي السودان، تعرضت أسرة البشير لضروب من المهانة والإذلال .
نواصل إن شاء الله .
ياسر أبَشر
———————————
26 ديسمبر 2022

ياسر أبّشر يكتب: المرشد إلى بيع الأوطان (1)

اترك رد