محمد طلب يكتب : اب عراقي الفاسد
السودان
الحكام أياً كانوا فهم نتاج من هذه الأمة السودانية بخيرها وشرها وتعقيداتها الكثيرة ومجاملاتها المثيرة و (أشياء أخرى) وعندما قال الطيب صالح من أين أتى هؤلاء؟؟!! لم يغب عنه انهم سودانيون لكنه أراد التنبيه لحالة (التغيير ) المتسارع التي ربما لا ندركها لذا أتى مقاله يحمل روح (الصدمة)
عموما سوف احكي لكم حادثة رمضانية (بعدين كل زول يسقطها على ما يراه مناسباً) ولن أتى على سيرة عسكر أو كيزان أو سرقة أو غيرها (بطريقتكم)
تمت دعوتي مع قلة من الاخرين من صديقنا الدكتور الشهير والطبيب الطيب للإفطار في رمضان الفائت ولعلمي التام وتجربتي مع هذه الأسرة الكريمة علمت بأني سوف أكون غدا على (مائدة مستديرة) و أمام ما لذ وطاب من الطعام البلدي والافرنجي ولمعرفتي أن سيدة هذا المنزل خبيرة في المطبخ الفرنسي والإيطالي و الآسيوي و (البلدي زاتو) نمت مبكرا بعد التراويح و بدون سحور وعشاء خفيف خالص ونمت على أنغام ( اغداً القاك)…
تمت (مجازفة) صوم يوم عصيب على (أمل اللقيا)
وصلت منزلهم الأنيق قبل المغرب بحالة سئية ما يعلم بها الا الله (صائم وبايت القوى) أضف إلى ذلك عنادي في الصيام وانا مصاب بداء السكري… وبعد التحية والسلامات في الصالون الجميل حضرت (ست البيت) بعد السلام والترحاب قالت لي: ( مالك تعبان كدا) دا صيام (شنو الكملك من لحم الدنيا) وأضافت والله اليوم يا (طلب) عاملة ليكم فطور العجب (والله يقدرك تشيل حسي) فهي تعرف جيدا (طول لساني) في الأكل وفي (النبيشة) معاً فضحكنا
وذهبت للمطبخ لإضفاء اللمسات الفنية الأخيرة على سُفرتها الشهيرة
المهم شهدنا حركة دوؤبة تنم عن (صينية مدنكلة) اختلس إليها النظر بين الفينة والأخرى (مستفة ستيف من امو) تخيل لي انها قطعاً لن تخلو من سوشي وكافيار و(خيار من خيار) تبع سلطة الروب (الكاربة) ذات الفلفل الأسود الحار …
والآن أصبحت روائح المشوي من اللحوم البيضاء والحمراء تداعب أنفي ولمحت العصيدة الملونة.. لأول مرة أرى عصيدة بهذا الشكل …
المهم على الجوع والعطش تجرح صيامي جروح عميقة (تتخيط عديل كدا) … كان شغل بحب وكرم أكثر من فياض وخبرات طويلة ممتازة …
و قبل الاذان بدقائق قليلة إذا بطفل صغير و (شليق) يقتحم الصالون (تووووش) بدون فرامل وبفصاحة تفوق عمره كثيرا قال يا دكتور (ابوي قال ليك طلعنا البرش وراجنك برة )… فقلت سراً وبغيظ شديد ( برش شنو يا لميض دا فطور برش دا) فرد صديقنا الدكتور مع ابتسامة تشبه ابتسامة (حمدوك) قول لي ابوك انا معاي ضيوف ما حاقدر اطلع برة اليوم…
كلام واضح جداً مش كدا؟؟!
ثواني و يدخل علينا ابو الولد بنفسه… قمحي طويل ضعيف يبدو أن (الصيام) قضى عليه يرتدي عراقي خفيف أكثر من اللازم (و كمان مشروط) وبصوت جهور أيضا أكثر من اللازم :
يا دكتور ضيوفك ضيوفنا برضو… و التفت علينا وأردف نحن ناس واجب برضو حررررم تطلعوا البرش برة دا كلام دا…. و(طب.. كف.. كنكش في الصينية ولفحا ) طبعاً الصينية من ذوات الوزن الثقيل… كم كيلو لحم وكم كيلو سمك وكم كيلو دجاج من المحمر والمجمر و (الذي منو) المهم الشوربة اتكشحت والصينية تقيلة و (عمك يحلف ويقنت من الصينية) المهم الدكتور حاول محاولة بائسة : عاوزين نتونس مع الجماعة ديل زمن طويل ما اتقابلنا فيأتي (صوته يقنت) الونسة بعد فطور البرش… احسب ان وضوء الرجل قد بطل من ثُقل الصينية
وأصبحنا في (نقعد بس) و (نمرق بس) المهم في النهاية مرقنا مع (الزول دا) على البرش و (أرضاً سلاح) وامرنا لله…. جلسنا أمام صينيتنا (الكاربة) وصديقنا الدكتور غفل راجعاً لاكمال باقي العصير و (تحديد المصير) ويبدو أن صاحبنا (اب عراقي) عازم جماعة ضيوف أيضاً و(مبيت النية) … وقبل أن يحضر الدكتور (تم شك الحكاية شكة غير عادلة بتاتاً) صاحبنا (اب عراقي) اخذ كل سراويس المحمر والمجمر البيضاء والحمراء الضخمة ووضعها أمام ضيوفه الأكارم حتى العصيدة الملونة لم أعرف أين ذهبت (اب عراقي) وضع أمامنا صحن فول عليه بعض الشمار وخالٍ من الزيت…. في سري بحسرة (طيب ادونا رغيف ياااخ)….
ومع صوت الأذان ظهر الدكتور وراي بأم عينه المناظر العجيبة و(الشكة الرهيبة) والحسرة على عيون ضيوفه واصدقائه…
اما الشفت (اب عراقي) وضيوفه (غاطسين لي اضنينهم) في فطور (ست البيت) الممتاز…
طبعا انا مؤمن انها أرزاق وأقسام ولن تأخذ الا نصيبك (بس الفول دا كان تكبوا فيهو ملح)
غضب الدكتور حتى احمرت عيناه… (اب عراقي) لاحظ أن (الجو اتكهرب) رغم الكهرباء المقطوعة اصلاً… وكي يتدارك الموقف وقف منصباً و قائلا الضيفان ديل ما تقصروا معاهم (لزوا ليهم البتاع دا) حتى لا يريد ذكر (ياتو بتاع في البتاعات الكتيرة) … بعد مسافة وصلنا (صحن عصيدة بملاح خدرة)
المهم انا اتعمقت في الموضوع واخذته بأريحية رغم (الظلم البائن) بينونة كبرى.. لكن ما اغضبني أن (اب عراقي) كل دقيقة يقول لضيوفه (بالله اللحمة دي كيف) بالله عليكم (شوفوا السمك دا)… (الجدادة دي محمرة كويس) وضيوفه يشيلو ويشكرو في المدام (مدام نسي العشرة واختار سوانا حبيب)… بعد (اللهطي دا كلو) أقام الصلاة (اب عراقي) وقدم احد اصدقاءنا للصلاة ولم يكن متوضئاً… (مغسة ساااي صلى بينا) غايتو ربنا يقبل….
شكراً (ست البيت) فقد اطعمتي الصائمون وغيرهم في ذلك اليوم و للأسف كان (اب عراقي) واقفاً على كل شئ ومشرفاً عليه بجدية
لقد كان يوماً قاسياً وعصيباً اختلطت عندي المشاعر فرحة وأمل تم القضاء عليه بحسرة والم
وفي طريق العودة قلت للصحاب هذا بالظبط ما يحدث في بلادنا نصوم ونفطر على بصلة.
(ماف زول يقول لي انت منو؟؟ أو أب عراقي دا منو؟؟!! والشافع الشليق منو؟؟ ) لاني مااااا عارف