إبراهيم عثمان يكتب : التجارة بالفجور وما لم يقله القحاتة

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

التجارة بالفجور وما لم يقله القحاتة

معلوم أن كل من يحكم سيتخذ من السياسات ويسن من التشريعات ما يوافق قناعاته وما يلبي طموحاته وتطلعاته وما يتناسب مع أسلوبه في الحياة الذي يريد، بقدر الإمكان، تعميمه على المجتمع، وما يجلب له مزيذاً من الأنصار .

العلمانيون القحاتة لعلمهم بغربة مشروعهم، ولعدم رغبتهم في تسويق مشروع متصالح مع الإسلام أو مستمد منه، ولوصمهم لكل من يفعل ذلك بالتجارة بالدين، ولعلمهم بأن المجتمع لا يخلو من غير المتلزمين بتعاليم الإسلام، وأن عدد هؤلاء يزيد بكثير عن عضوية أحزاب الفكة العلمانية، وأنهم يمكن أن يشكلوا قاعدة وحاضنة اجتماعية لهذه الأحزاب، لكل هذا يحاول العلمانيون القحاتة “تكبير كومهم” بكل من يعتقدون أن لهم مشكلة مع تعاليم الإسلام. ويظهرون من التشدد والحرص الزائد على إزالة الأضرار المزعومة التي تصيب هؤلاء من التشريعات الإسلامية ما يؤكد بأنهم يدافعون عن أنفسهم في المقام الأول، ثم عن تكبير كومهم بكل خارج على أعراف المجتمع وتقاليده . لكنهم مع ذلك يحاولون النأي بأنفسهم عما يدعون له وإقناع الناس بأن حرصهم الشديد على حقوق الآخر هو الذي يصنع كل سياساتهم، ويوحون بأنهم لا يقصدون خدمة أسلوبهم في الحياة بما يقررونه من سياسات وما يسنونه من تشريعات وإنما حماية التنوع .:
– تحدثوا عن أهمية إتاحة حرية الردة والإلحاد للمجتمع، ثم سنوا التشريعات اللازمة، وحصنوا الملحدين والمرتدين بعقوبات مغلظة لمن يذكر ردتهم أو إلحادهم بسوء، وخدموهم بتخفيف عقوبة إزدراء الأديان، وإزدراء الأديان هو البضاعة الأصلية للملحدين .. لم يقولوا إننا بهكذا تشريعات إنما نحصن أنفسنا ومشروعنا والملحدين الذين بيننا، وأوحوا بأن ذلك كان لخدمة المجتمع كله .
– تعللوا بوجود مسيحيين، وزعموا بأن المسيحية تبيح الخمور، وأن المسيحيين متضررين ليسنوا التشريع الذي يبيح الخمور، لكنهم لم يقولوا بأن هذا التشريع إنما يخدم في المقام الأول العلمانيين المتعاطين وهم نسبة معتبرة، ويخدم قاع المجتمع من السكارى الذين يعتبرونهم جزءاً من الحاضنة الاجتماعية لمشروعهم.ولهذا يحدث التساهل الذي نراه في التعامل مع المخالفين المسلمين.
– الغوا النظام العام الذي كان يحد من كثير من السلوكيات والمظاهر الشاذة، وتعللوا بأن ذلك كان يضايق المجتمع والأقليات غير المسلمة، لكنهم لم يقولوا بأن ذلك كان يضايقهم هم على وجه الخصوص، لأنه يمنع سلوكيات هي سلوكيات معتادة لبعضهم، وهي أيضاً محل تشجيعهم في المجتمع تحت عنوان (حماية الحريات الشخصية)، وذلك لأنهم يتصرفون على مقتضى قناعاتهم ومصلحتهم الخاصة، فكل صاحب سلوك شاذ كان النظام العام يمنعه هو مؤيد محتمل لمشروعهم أو على الأقل هو عدو للمشروع المضاد.
– تعللوا بحماية الحريات وألغوا المادة الخاصة بالأزياء الفاضحة في القانون الجنائي، لكنهم لم يقولوا بأن الأزياء الموصوفة بالفاضحة هي الأزياء (الغالبة) عند نسائهم، وأنهم بهذا التصرف إنما يحمون أنفسهم، ويشجعون المجتمع على تقليد نسائهم لتصبح الغلبة للسفور .
– لم يكتفوا بالمجموعات البشرية من الأقليات غير المسلمة أو الأقلية المسلمة غير الملتزمة، بل واستنجدوا بالأدب والفن والعلم والثقافة والتراث ليتعللوا بها ليجدوا طريقة يبيحون بها المواد المخلة بالآداب التي يكثر تداولها بين أنصارهم، والعروض المخلة بالآداب التي يحبذونها، فكان التعريف الذي أدخلوه في القانون الجنائي بإضافة استثناءات تلغي المنع المطلق ( المواد المخلة بالآداب العامة هي أي تعبير بالصوت أو الصورة أو الرسم أو الكلمات بهدف إثارة غرائز المتلقي ويستثنى من ذلك المواد ذات القيمة الأدبية أو الفنية أو العلمية أو الثقافية أو التراثية ) .

وكل هذا، وغيره كثير، يجعلهم مستحقين لتهمة التجارة بالفجور ، فدائماً هناك آخر يقولون إن مراعاة حقوقه هي التي تتحكم في الملامح الرئيسية لمشروعهم بل تصنعه بالكامل، وهذا ليس من معتاد البشر، فالبشر الأسوياء عادةً يكون معظم حرصهم على تطبيق مشروعهم الخاص مع مراعاة الآخر، أما إن كانت مراعاة الآخر هي عنوان المشروع، ومن قوم معروفون بعداوتهم الشديدة للآخر الحقيقي المناقض، فهذا لا يدل على شئ سوى أن المشروع قبيح، وأن أصحابه غارقين في هذا القبح، وأن الآخر المزعوم هو الذات عينها، وهو حيلة الخجلين من مشروعهم ، وأننا أمام التجارة بالفجور في أوضح أشكالها .

إبراهيم عثمان

اترك رد