إبراهيم عثمان يكتب:عن دعوى التعطيل .. القطاع الصحي نموذجاً

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

عن دعوى التعطيل .. القطاع الصحي نموذجاً

لم تمر على السودان حكومة بفشل ولامسؤولية وكذب حكومة عبد الله حمدوك، ولا شبيه لها في استغفال الجماهير والتلاعب بوعيهم، والتهرب من مسؤولية سياساتها وقراراتها وتحميلها لآخرين هم، مثلهم مثل باقي المواطنين، من ضحاياها… ما يثبت هذا في القطاع الصحي كثير، ومن أهمه :
– المعاناة الحالية سببها المباشر هو قرارات رفع الدعم. وقد قال حمدوك في أحد لقاءاته التلفزيونية (قرار رفع الدعم من أصعب القرارات التي تتخذها حكومة، وليس من الحلول السهلة لأنو عندو مشاكلو الكثيرة ويؤثر في الفئات الضعيفة ويرفع الأسعار ، ويزيد التضخم إلى آخره .. ) ولم يذكر الثمن السياسي الذي يتناسب مع قسوة القرارات ويؤكد صعوبتها، ولعله تجنب ذكره لأنه لا يريد أن يتحدث بوضوح عن شجاعته واستعداده لدفع هذا الثمن لما في ذلك من استفزاز للرأي العام، وكذلك لعلمه بالخطط الإعلامية “الجبانة” المواكبة للقرارات “الشجاعة”، والهادفة لتحميل النظام السابق المسؤولية عنها، وتدفيعه ثمنها السياسي . وهذا ينطبق على كل القطاعات بجانب لقطاع الصحي الذي ضربه القحط وتأثر بالفشل العام وبقرارات رفع الدعم التي رحب بها أنصار الحكومة ودعموها بشعار (الجوع ولا الكيزان)، وهو الشعار المبتذل، الذي لم يكونوا قدره، وكانت مواقفهم أكثر ابتذالاً منه حين تنكروا له مع بداية ظهور السخط الشعبي ولجأوا إلى الشماعات.
– كل المسؤولين، وكل القطيع الإلكتروني ورعاته، لا يستطيعون أن يذكروا قائمة بقرارات في القطاع الصحي ( وفي عامة القطاعات) تصب مباشرة في رفع المعاناة عن المواطنين، ولا يستطيعون أن يقدموا روايات محددة ومتماسكة عن تعطيل الدولة العميقة لهذه القرارات المزعومة وقطع طريق وصول ثمرتها المباشرة إلى الشعب.
– قال حمدوك في أحد اللقاءت في تلفزيون السودان ( المرة الفاتت لما حصلت الجائحة قفَّلنا كل المرافق الصحية) وأضاف (لكن طبعاً نحن لازم نراعي حقيقة أساسية نحن ورثنا قطاع صحي أقل ما يوصف به أنه منهار) وأضاف ( التجربة الفاتت علمتنا إنو ما نقفل المستشفيات) وأكمل (هذه المرة حتستمر المستشفيات والمراكز الصحية في تقديم خدماتها للمواطنين) وهذه الأقوال تثبت:
– كذب د. أكرم وتضليله للشعب عندما برأ الحكومة من المسؤولية عن تعطل المستشفيات وما نتج من موت العشرات في الشوارع بسبب عدم تلقي العلاج .
– تنصل كل المسؤولين بمن فيهم حمدوك نفسه من المسؤولية وخداعهم للشعب لأنهم (لبدوا) في تلك الأيام ولم يتحدث أي منهم عن صدور قرار بإغلاق كل المرافق الصحية .
– تكرار حمدوك للأسطوانة المشروخة (التي حرصت المذيعة على تضمينها في السؤال) عن التركة الثقيلة يتصمن كذباً وتهرباً من المسؤولية، فالنظام السابق لم يتخذ قرار إغلاق المستشفيات بالنيابة عنه، ثم إن تعهده بعدم إغلاق المستشفيات هذه المرة وبتقديم الخدمات يؤكد كذب “الحقيقة الأساسية” عن وراثة نظام صحي “أقل ما يوصف به” أنه منهار، فحمدوك وحكومته لم يضيفوا شيئاً إلى القطاع الصحي بل خصموا منه الكثير، وتبشيره بعودته للعمل يثبت أنهم ورثوه عاملاً بمستوى لا يمكن أن يوصف بالانهيار أو أكثر منه كما قال.
– “الحقائق الأساسية” الحقيقية هي أن إغلاق كل المرافق الصحية كان بقرار من حمدوك،وأن “أقل ما يوصف به” القرار هو أنه قرار غير مسؤول. وأن هذا القرار نتج عنه موت كثير.
– وأن حمدوك بارد ومتجمد المشاعر ويتحمل كامل المسؤولية باعترافه هذا الذي لم يتبعه بالترحم على الضحايا من الموتى الذين لم يجدوا العلاج.
– وأن أقل ما توصف به محاولته للتهرب من تبعة قراره هو أنها كذب فاجر وتضليل متعمد للشعب.
– وأن قوله بأنهم تعلموا من التجربة السابقة ألا يغلقوا المستشفيات فيه اعتراف ضمني بكارثية ذلك القرار، وبعدم مسؤولية الدولة العميقة عما حدث، وأنهم لقلة خبرتهم وضعف كفاءتهم وقسوة قلوبهم كانوا، ولا زالوا، يتعلمون بأكثر الطرق كلفةً.
– وأن على كل الأسر التي توفى مرضاها بعد أن حُرِموا من العلاج بسبب قرار إغلاق (كل) المرافق الصحية أن يرفعوا قضايا حتى لو اصطدمت بالحصانة فقد عرفوا غريمهم، والحصانة ستسقط عاجلاً أو آجلاً. حقوقهم وحقوق موتاهم لهم الرحمة والمغفرة تفرض عليهم كلهم أن يقوموا بذلك، ما عدا القلة المستمتعة بالأعلاف الجاهزة التي يقدمها رعاة القطيع أو التي ينتجونها ذاتياً، ولعل منهم ناشطة يسارية لا يحضرني اسمها نشرت مقالاً فصَّلت فيه قصة معاناتها وهي تبحث عن مستشفى لإسعاف والدتها التي توفت بعد طواف على عدد كبير من المستشفيات المغلقة، وختمت منشورها بتقدير مجهودات حمدوك وأكرم وشكرهما، وبالتأكيد على قناعتها بأن الدولة العميقة تتحمل مسؤولية تعطيل المستشفيات! والمؤكد أنها، وغيرها من المعلوفين المتضررين، لن تغير قناعتها بعد اعتراف حمدوك .

إبراهيم عثمان

اترك رد