د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن (21)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

د.أمين حسن عمر يكتب :

الكيزان من نحن (21)

الحركة الإسلامية وسؤال الفقر

الاسلاميون علموا أن مشكلة البعث الإسلامي الرئيسة هي الوعي ولا يأتي وعي بلا تعليم وتعلم ولا يكون تعليم وإمهال للتعلم مع الفقر الذي قرنه الرسول صلي الله عليه وسلم مع الكفر سواء بسواء لكن مشروع الإسلاميين للتنمية حوصر حصارا غير مسبوق ولا مشهود ولكنهم على الرغم من ذلك ضاعفوا الناتج الأجمالي المحلي عشرة أضعاف بشهادات دولية غير مكذوبة لكنهم رغم ذلك يشعرون بحالة من الخيبة والقصور الكبير فتحدي محاربة الفقر وأحداث التنمية كان هو الأمتحان الكبير عسير وقد وضعوا القلم قبل إتمام الإجابة… .
و قد كان موقف الحركة الإسلامية من الاقتصاد أحد الأسئلة المهمة التي واجهت الحركة الإسلامية منذ تأسيسها حزباً سياسياً في جبهة الميثاق الإسلامي. والتي ركزت في برنامجها الاقتصادي على ملامح عامة أقرب ما تكون للبرنامج الاشتراكي بالتركيز على إقتصاد تعاوني . وتدخل الدولة لمنع الربا والاحتكار وتركيز الثروة في أيدي القلة، ولاشك أن القيادة الفكرية للجبهة آنذاك كانت أكثر تأثراً بالتيار الإشتراكي السائد في الخطاب السياسي في المنطقة. بل أن أهم مؤسسي الحركة عند نشأتها قد انسلخت طائفة منهم وانشأت ما سُمي بالحزب الاشتراكي الاسلامي . وكانت كتب الشهيد سيد قطب (معركة الإسلام والرأسمالية) وكتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) هي أهم المصادر الفكرية لمثقفي الحركة الإسلامية على صعيد المسألة الاجتماعية . وتأثر التيار الإسلامي بالتيار الإشتراكي لم يكن وقفاً على الحركة الإسلامية في السودان بل أمتد على نطاق العالم العربي . وكانت كتابات الدكتور السباعي في سوريا رافداً آخر لطرح الطريق الإسلامي للاشتراكية بل أن عدداً من مفكري العهد الناصري في سبيل البحث عن طريق اسلامي للاشتراكية قد أعادوا قراءة التاريخ الإسلامي برؤية إشتراكية . بيد أن فكرة العدالة الاجتماعية كانت هي وما تزال مفتاح قراءة الموقف الإسلامي من الاقتصاد. ولاشك ان كلمة إشتراكية نفسها مفردة غير دقيقة عند تعريب مفردة Socialism فالتعريب الأكثر دقة لتلك المفردة هي المذهب الاجتماعي . لأنها مشتقة من مفردة Society وليس من كلمة شراكةPartnership ، والتركيز على أولوية المجتمع على الفرد بازاء الفكرة الرأسمالية التي تعطي الأولوية للفرد موقف فلسفي يتشاركه الإسلاميون مع المفكرين الإشتراكيين.
فولاية المجتمع على المال وعلى استقامة الأفراد على نهج الشريعة أمر تتوافر عليه شواهد وبراهين كثيرة في الكتاب والسنة . بل أن القرآن غالباً ما يتوجه بالخطاب مباشرة لمجتمع المؤمنين بوصفه جهة التصرف كأن يقول “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم ” ، وكأن يقول ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتدعون إلى الخير” بل أن غالب خطاب القرآن يبدأ بعبارة “يا أيها الذين آمنوا” . كذلك فإن القرآن قد أجمل سبب إنزال الكتب وأرسال الرسل في هدف تحقيق العدل الاجتماعي “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط” . وخاطب المؤمنين للقيام بهذا الواجب “يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم” . وهكذا فلا مشاحة في ولاية المجتمع على أفراده ليقوم باعطاء كل ذي حق حقه . وذلك من خلال المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي ينشئها المجتمع المحتكم إلى دين الله وشرعه القويم. ولئن ساهمت أدبيات سيد قطب في بلورة المفاهيم الاقتصادية الأساس لدى الأخوان في السودان وبخاصة تلك التي أشتمل عليها كتاب العدالة الاجتماعية في الاسلام إلا أن الروح النقدية القوية التي اشتمل عليها كتابة “معركة الاسلام والرأسمالية” لم تجد ذات الوقع والأثر مثل كتابه الأول. ولذلك فإن الدعوة للعدالة الاجتماعية لم ترافقها روح قوية لمناهضة الاتجاهات الرأسمالية. وربما يعود أحد الأسباب لوجود الحزب الشيوعي السوداني الذي تركز خطابه في الهجوم على طريق التطور الرأسمالي . وربما لم يشأ الاسلاميون في السودان أن يتعاظم التشابه في خطابهم السياسي الاقتصادي مع الحزب الشيوعي الناشط في الساحة السياسية آنذاك. ولكن على الرغم من ذلك كانت كتابات الاسلاميين في السودان وفي العالم العربي لا تخلو من النقد للمنهج الرأسمالي. بيد أن الأدبيات في هذا المجال تخلو من الدراسات المقارنة المفصلة بين الرؤية الإسلامية في حرية التجارة والأسواق وبين مختلف مناهج الفلسفة الرأسمالية ولا تزال مسألة تجلية الفروق بين الرؤية الاسلامية فى حرية السوق وبين الرؤية الرأسمالية أشكالية تستوجب النظر ولا تجد الإلتفات والاهتمام القمين بها.

د.أمين حسن عمر
كتاب الحركة الاسلامية السودانية..سؤالات وإجابات

د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن (20)

الحركة الإسلاميةالحركة الإسلامية وسؤال الفقرالخرطومالرآية نيوزالكيزانالكيزان من نحن (21)
تعليقات (1)
أضف تعليق