دكتور ياسر أبّشر يكتب : دكتاتورية عمر (2)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

دكتور ياسر أبّشر يكتب :

دكتاتورية عمر (2)

تنبهت إلى أن البشير وُضِعَ في قمة قائمة الاستهداف التي تصنعها الدول الغربية، يوم أشاعوا خبراً يقول: إن البشير أودع 9 بليون دولار في بنك لويدز «Lioyds Bank» في بريطانيا .السبب الذي أثار انتباهي أنني أعلم أن مقاصّة الدولار موجودة في نيويورك، ومن ثم فإن تحرك دولار واحد من بلد لآخر تكون أميركا عالمة به، دع عنك 9 بليون دولار.. ثم إن المصارف الغربية جميعها تعلم أن السودان بلد محاصر ويخضع لعقوبات، والبشير نفسه موضوع في قائمة تسمى «politically exposed persons» فيستحيل من ثم أن تفتح له المصارف الغربية حساباً.

أما السبب الآخر، الذي جعلني أنتبه أن شيئاً ما وراء تلك الشائعة، فهو حماس مدعي المحكمة الجنائية الدولية مورينو أوكامبو للإشاعة وترويجه إيّها وقوله: «إذا كُشِف إخفاء البشير لهذا المبلغ فإن هذا كفيل بتغيير الرأي العام في السودان الذي ينظر للبشير كفارس محارب ليحوله لسارق»
»If Bashir’s stash of money were disclosed, it would change Sudanese public opinion from him being a ‘crusader’ to a thief.«
وما كان أوكامبو مهنياً محايداً.

وبالفعل أصدر بنك لويدز البريطاني بياناً رسمياً نفى فيه الفرية، ونشرته الصحف الغربية (مثلاً اندبندنت، 18 ديسمبر2010م). لكن المعارضة واصلت الترويج للاتهام الزائف، ففقدت المنصفين المحايدين والوُعاة بمجريات التطورات الدولية، الذين أخذوا يتشككون في كثير مما تُروج له المعارضة، وما كانت المعارضة نزيهة، وما كانت يوماً تلعب لعباً نظيفاً في السياسة.

ومن ناحية أخرى، فقد كان إعلام نظام البشير غافلاً وساذجاً، وكان كل نظامه مستهيناً، لا يكترث بما ينشر ضده ، وكان إعلامه مَحَلّي التوجّه تُعْوزه الإحاطة بما يجري خارج الحدود .

وتواصل طَرْقُ المعارضين على فساد البشير ونظامه، وضُخّمَ وبُولِغَ فيه أيّما مبالغة، حتى استقر في رُوع الشباب تحديداً أن فساد البشير يسد الآفاق.

ثم جاءت (الثورة) وموّلت الدول الغربية والإمارات والسعودية توظيف شركة «كمبريدج أنيليتكا» التي تولّت تصميم وبث الدعاية بصيغ وعبارات كَرّست فِرْيَة «كيزان حرامية» بملايين الرسائل عبر نظام البوت. وروج منظمو الاحتجاجات لمليارات الدولارات هرّبها الكيزان لماليزيا، ومئات مليارات الجنيهات لدى قادة نظام البشير!!

ولما سقط نظام البشير وكشف هو عن ما تبقى من مال أرسله له بن سلمان، ثم لـمّا أبرز مستندات تفيد أنه صرف المبلغ على مصالح عامة، وأنه لم يستفد بسنت واحد لمصلحته الشخصية، لم يأبه أحد لدفوعاته.

كان بإمكان البشير أن يُخفي ذلك المال، ولكنه لم يفعل..
أتصور أن إرجاع المال لبن سلمان، كان كفيلاً بخلق أزمة دبلوماسية وتوتر في العلاقات.

ثم إن الاستفادة الشخصية من المال كانت كفيلة بإضعاف البشير، وجعله أداةً طيعة في يد بن سلمان، ولكن البشير لم يستفد منه.

وكان لجوء قحاتة حمدوك ( الله يكرم السامعين )لاتهام البشير قضائيا قراراً سياسياً، خاصةً وأن حمدوك وكل من حوله من القحاتة (الله يكرم السامعين) يتقاضون مرتباتهم (أكرر مرتباتهم) من الخارج وبالدولار.

ومنذ ذلك الوقت، ونحن نرى الدولارات تجري بين يدي حميدتي ومن خلفه، وقُبض على وزير الصحة أكرم وبحوزته مئات ألوف الدولارات، لكن لم يقل أحد بأن كل تلك الحيازات الدولارية مخالفة للقانون.

وظل كل البارزين من نُشطاء قحت (الله يكرم السامعين) يتلقون (أعطيات) بن زايد والمنظمات فاشتروا بيوتاً وشققاً، وعاشوا فارهين في الخرطوم والقاهرة ودُبي، وسواها.
كل هؤلاء تنعموا بمالٍ لُبَدا، وكلنا نعلم أنها أموال «ماضربهم فيها حجر دُغُش».

ولا يزال المساكين يهتفون: «حرية.. سلام.. وعدالة.. والثورة خيار الشعب».

والذي يثير الحيرة أن بعض الكبار صدقوا حرفياً كل ما قيل عن البشير، وجرى كل فساد القحاتة (الله يكرم السامعين) وحمدوك أمام أنظارهم فلم يروه. وليس لذلك من تعبير إلّا قول أحبابنا المتصوفة:

« إذا أراد الله إنفاذ أمرٍ، سلبَ أهل العقول عقولهم».
يقول المنطق: إن البشير لم يكن من الملائكة، ولكنه ومن حوله لم يكونوا من الشياطين، بدليل أن القضاء بَرّأ كل من وقف أمامه مُتّهَمَاً.

ويقول المنطق وتقول الشواهد: إن المكان الوحيد، الذي يخلو من فساد هو الجنة، لكن اتهام جماعة البشير جملة، وإدانتهم إعلامياً، ومحاكمتهم سياسياً، لـمما يأباه العقل السليم، ويأنف عنه أهل المروءة.

ومن حسن الحظ بالنسبة لي أن البشير لا تُرجى منه الآن منفعة.. ولم أقف ببابه يوماً أطلب نواله.. كل ما في الأمر أنني لا أرضى لنفسي أن أُقاد لأُرضي شانئيه، خاصة وأنّ ماضيهم وأداءهم وسلوكهم ليس مما يسر الكرام من أمثالي، وقد جَرّب الناس عليهم كذباً كثيراً.

في عام 1965 أثار الشيوعيون القلاقل على نظام سوكارنو في أندونيسيا فانبرى لهم الجنرال سوهارتو فاعتقل منهم كثيرين، وجزّ رؤوس قادتهم، ثم أتبع رأسها الذنبا، وبلغ عدد قتلى الشيوعيين وحتى المتعاطفين معهم 500 ألف شخص.
كانت تلك مقتلة عظيمة فظيعة منكرة.

وجرّم سوهارتو وَمَنْ خَلَفَهُ الانتماء للحزب الشيوعي الأندونيسي ومنظماته، ولايزال الحزب الشيوعي محظوراً في أندونيسيا حتى يوم الناس هذا.

أمًا الجنرال البشير فقد سمح للبعثيين بالتمتع بحرية العمل السياسي، وسمح لحزب «ملَتّق» يرأسه الدقير بمثل ذلك، وكلاهما يتآمر عليه من داره ومن خارجها .

وقَصَرَ الاعتقال لدى توافر شبهات التعامل مع الخارج، وحتى هذا كان قليلاً بالمقارنة مع دول يحجون إليها.

وسمح للشيوعيين السودانيين بإصدار (الميدان) التي تُحرض عليه، وسمح لهم بدار عامرة النشاط السياسي، وظل كُتّابهم يسيطرون على السوشيال ميديا، وظل ناشطوهم يروجون «لفساده وإجرامه»، ويزعمون قتله لثلاثمائة ألف شخص في دارفور، بالتنسيق مع أوكامبو ومنظمات الهوليكوست اليهودية في أميركا ومنظمة «Save Darfur Coalition».
كل هذا ودكتاتورنا الجنرال، الذي كان مقاتلاً شرساً في المعارك، ينظر ويبتسم.

حدّثني صديق أنّ جنرالاً سورياً إنْشَقَّ على نظام الأسد، ولـمّا استَحَرّ القتل بالسوريين هرب ليقيم في السودان، وأخذ يتابع أوضاعنا السياسية أيام البشير، ومن بينها كتابات عن التضييق على الحريات، فقال لصديقنا : إن السودانيين لن يعرفوا ما هم فيه من نعمة إلّا إذا حكمهم نظام بشار الأسد البعثي يوماً واحداً، وعَبّر عن خِشيته أن يفقد السودانيون ما هم فيه من نعم. فقال له الصديق : كلّم السنهوري !!!
أتُرانا صحّت فينا نُبُوءة السوري ففقدنا ما كُنّا فيه من نعم؟؟!!!

نواصل إن شاء الله.

دكتور ياسر أبَشر
———————————
17 أبريل 2022م
.

دكتاتورية عمر (2)دكتور ياسر أبّشرعمر حسن أحمد البشير
تعليقات (1)
أضف تعليق