حليم عباس يكتب : الدولة السودانية وصلت مرحلة اللاعودة

السودان

رصد : الرآية نيوز

حليم عباس يكتب :

من الواضح أن الدولة السودانية وصلت مرحلة اللاعودة فيما يتعلق بطبيعة الحكم؛ نموذج الحُكم المركزي من الخرطوم (و الذي تمثل أحزاب قحت اللحظات الأخيرة من احتضاره و موته) قد ولى و لن يعود.

القوى التي وقعت وثيقة كورنثيا مع العسكر تعود يوما بعد يوم إلى حجمها الطبيعي. و السودان الحقيقي يعبِّر عن نفسه بواسطة حركات الهامش و القوى التقليدية و التنظيمات الحديثة في المدن ممثلة في اللجان المناطقية؛ بينما السلطة معزولة حتى عن الكتلة التي شاركت في الثورة و التي بدأت تنظم نفسها بعيدا عن إطار السلطة، و الأحزاب التي صعدت على أكتاف هذه القوى تقف الآن في الفراغ، بلا أي سند شعبي و بلا شرعية سياسية أو أخلاقية.
فدارفور خرجت من سلطة المركز التي تمثلها أحزاب قحت، و عادت إلى أهلها، و الشرق كذلك سيخرج من سيطرة القوى الخرطومية مثلما خرجت دارفور، و سيتبعه الوسط و الشمال؛ سيحكم السودانيون أنفسهم بعيداً عن الوصاية المركزية.

صحيح هُناك تحدي الديمقراطية و قبله تحدي الوحدة الوطنية أرضاً و نظاماً و شعباً؛ الكيانات التي تعبِّر عن الأقاليم الآن في الشرق و الغرب هي كيانات غير منتخبة و غير ديمقراطية، و لكنها على الأقل تنتمي جغرافيا للمناطق التي تتكلم باسمها، و تعمل على انتزاع السلطة من المركز لصالح الأقاليم؛ و هذه خطوة أساسية. يجري الآن تخليص مصير الشعب السوداني من أيدي القوى الحزبية التي سرقت ثورة ديسمبر، و سرقت إرادة شعب كامل. الخطوة القادمة هي ترسيخ سلطة الشعب عبر الديمقراطية على كل المستويات.

تظل المؤسسة الأمنية هي العمود الأساسي لوحدة و تماسك البلد و أمنه و سلامته، و هُناك دور تاريخي يجب عليها القيام به. قيادة القوات المسلحة قبل أي جهة أخرى يجب عليها أن تدرك أن زمان النظام المركزي و حكم السودان من الخرطوم قد ولى و إلى غير رجعة؛ و عليها كذلك أن تدرك أن الشراكة الحالية مع أحزاب قحت هي شراكة في الهواء بدون أي ركيزة حقيقية على الأرض؛ هذه الشراكة هي عبء يجب التخلص منه؛ رهان قادة المجلس العسكري على ما يُسمى بقوى الحرية و التغيير كحليف سياسي هو رهان خاطئ و فاشل؛ لا يُمكنكم حكم السودان بواسطة هذه القوى الكرتونية؛ و لا يُمكن للجيش أن يحكم السودان بهذه القوى أو بدونها؛ هذه حقيقة يثبتها الواقع. و لذلك فإن على قادة الجيش القيام بدورهم في الحفاظ على وحدة و تماسك البلد و في إعادة السلطة إلى الشعب، و هذا هو الرهان الصحيح.

يأتي بعد ذلك دور التنظيمات و الأحزاب السياسية في التوافق على قضايا الدستور و الانتخابات و ذلك بعيداً عن التشويش الذي أحدثته ثورة ديسمبر و الذي تمثل في خطاب و أجندة أحزاب و تنظيمات قحت؛ مجرد هرجلة و تشويش للجو السياسي بلا أي مضمون، و الدليل هو الواقع الماثل الآن.

اترك رد