هشام الشواني يكتب : عن مؤتمر شمبوب بكسلا

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

هشام الشواني يكتب :

عن مؤتمر شمبوب بكسلا

نؤكد مرة أخرى أن البروز الحاد للقبيلة في السياسة ظاهرة لا تقل موضوعية في عالمنا عن ظهور تنظيمات في المدن من نقابات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني. بالعكس فبتحليل معين نجد القبيلة هي المجتمع المدني الأكثر تجذرا، لأن مفهوم المجتمع المدني إذا ما طبق وفق معناه الأساسي الذي يشير لوجود تنظيمات خارج الدولة والنظام السياسي تؤدي دورا اجتماعيا واقتصاديا فالقبيلة في أقاليم عديدة هي المجتمع المدني الرئيس.

نعود لمشهد شرق السودان وننظر له من جديد، مالذي حدث اليوم؟ وما دلالات مؤتمر شمبوب بكسلا؟

بالنسبة لي هذا الحشد القبلي أمر مفهوم ومتوقع وفي جوهره يحمل أزمة النظام السياسي والدستوري الذي يحكم البلاد. فعدم الرضا واضح تماما في جميع مقررات المؤتمر التي حاولت أن تشق طريقا (ثالثا) بين موقف ترك الرافض لمسار جوبا والمطالب باسقاط الحكومة وبين الدعم المطلق للمسار. لذا فالمؤتمر هذا لا يمثل دعما للمسار ولا للحكم الانتقالي الكاذب والمشوه

مقررات المؤتمر جيدة ومعقولة بل في غالبها تقع على النقيض من فوضى النظام الحاكم. وخطابات غالب المتحدثين كانت جيدة ومعقولة والحمد لله فقد غاب عنها العميل الإماراتي خالد شاويش وبعض الصبيية الانتهازيين لم يتحدثوا في المنصة ومنهم ذلك الشاب الأحمق الذي بدأ في تنظيم يساري في الجامعة ثم سافر للمؤتمر الوطني حينها طمعا في منصب عبر الحوار الوطني، ثم فشل في تسلق ثورة ديسمبر فرجع مرة أخرى للقبيلة ليرتدي من جديد الجلابية والسديري الشرقاوي ويحمل العصا.

المتحدثون كانوا جيدين والمقررات معقولة وتفتح باب الحوار بينهم وبين المجلس الأعلى لنظارات البجا وبينهم وبين منبر البطانة الحر. هذه المنصات في جوهرها الحقيقي تمثل رفضا لاتفاق كورنثيا ونحمد الله حمدا كثيرا أن مؤتمر شمبوب في ريفي كسلا خرج بهذه الطريقة.

هناك قضية واحدة واضحة للجميع، يتم الخطأ في تفسيرها دوما وهي الشفرة العميقة التي دفعت هذه الجماهير للاحتشاد وهي قضية البني عامر. وقضية البني عامر في شرق السودان نخشى أن يستغلها المتآمرون على الوطن لتحويلها لفتيل للنزاع الذي سيصعد من خلاله انتهازيين وخونة.

والقضية كالآتي: برز صراع قبلي اتخد طابع عنيف في مراحل متنوعة خلال السنين الأخيرة في عدة مناطق بالشرق، ومحصلته كانت خلق خطابات عرقية قائمة على استبطان عداء وتشكيك في انتماء هذا المكون للسودان. وهذه النتيجة خاطئة ومتهافتة وتعكس صراع على الأرض وصراع على الموارد وفشل في بلورة الشروط المادية للتمدن. مكون التقري مكون سوداني أصيل منذ الفونج، دينه إسلامي ويتحدث العربية بجانب التقري وله علماء ورجال دين منذ زمن طويل. هذا المكون عاش وتداخل مع البداويت منذ سنين طويلة وبينهم نسب وتصاهر. ونشوء الحدود الاستعمارية لدولة ارتريا التي لم تكن موجودة من قبل سبب أزمة حدودية فجرها الفشل السياسي لمشروع الدولة الوطنية في السودان والحرب في ارتريا واستغلها التجمع المعارض قديما وكم سعدت حين رأيت في مقررات المؤتمر حديث عن جرائم ١٩٩٧ التي سببها دخول قوات التجمع مع الجيش الارتري حينها.

هذه هي العقدة والشفرة التي تحرك أهلنا البني عامر لذا فإنني ومن منطلق وطني أقول:

١- التقري وقبائل البني عامر قبائل سودانية ولها امتداد طبيعي في ارتريا وهذا مصدر ثراء إيجابي لو تم في إطار شروط تمدن وتنمية.
٢- قضايا إقليم الشرق تحتاج لجميع أصوات مكونات الشرق.
٣- يجب أن يجتهد الفاعلون على الأرض في عزل رؤوس الفتنة من الناشطين العرقيين المتوترين. هؤلاء أونطجية انتهازيون لا تجعلوهم قادة.
٤- الناظر ترك ليس عدو وخصم. يجب دعمه والحوار والتنسيق معه من أجل شرق السودان.
٥- يجب مد الجسور للتواصل مع كافة مكونات الشرق من شماليين وهوسا ونوبة وعرب ورشايدة وغيرهم.
٦- يجب القطع الكامل مع طريقة ناشطي السودان الجديد الذين عاشوا وتربوا في أحضان الخواجات.
٧- يجب إعطاء الأولوية للبعد الجغرافي الإقليمي المناطقي لا البعد العرقي الثقافي.

وأخيرا: لابد من لقاء قريب يجمع بين الناظر دقلل والناظر ترك.

حينها ومع مزيد من الحوار ومزيد من الاحترام المتبادل سنرى وطنا موحدا متنوعا يبنى على ما يوحد الناس من تاريخ مشترك تم التآمر على نسيانه، ومن مصلحة مشتركة يهددنا فيها الأجنبي ويخطط لسرقة ثروات شعبنا المغلوب على أمره

وعاش السودان عزيزا موحدا

والسلام عليكم ورحمة الله

اترك رد