مكي المغربي: هل بات الحل في القبض؟!

هل أصلا سبب تطاول المعركة بين بعض الشباب المحتج والقوات النظامية (من المؤلم أساسا أن تكون هنالك معركة ولو مع جزء قليل منهم) هو عدم وجود صلاحيات قبض وإعتقال لدى جهاز الأمن.

ولماذا هذا التحول ١٨٠ درجة من الحديث عن أن دوره (جمع المعلومات فقط) إلى الحديث الذي يفسر به البعض المنشور السيادي الأخير أن دور جهاز الأمن هو (القبض فقط)؟!
كلا الطرفين في التفكير خطأ كبير، ولا نحتاج للحديث عن ماضي جهاز الأمن السوداني ولا تجربته ولا الحديث عن جهاز الأمن الداخلي وما اعتزمت أحزاب في قحت فرضه على الشعب السوداني (كيري وبدون انتخابات)، يمكننا الحديث عن واقع قانوني بسيط للغاية.
الشاب الذي يفعل أقل فعل وهو خلع (انترلوك) لا يحتاج إلى طواريء ولا جهاز أمن لإثبات أن فعله مخالف للقانون ويمنح الحق في القبض عليه (دون أمر قبض) لأن (الحالة تلبس) وفي التلبس يمكن القبض على دبلوماسي أجنبي وليس شخص سوداني لديه حصانة فضلا عن شاب أو مواطن عادي.

رغم ذلك لم تستطع الشرطة ولا الجيش في كثير من الأحيان .. القبض على شباب أمام أعينهم يفعلون ذلك.
لا يجروء مواطن على منعهم .. ولو كان هو مقاول الانترلوك الذي لم يقم بعد بتسليم عمله للمحلية وستعتبر جهده في حكم المعدوم.

القبض اصلا في حالة التخريب يمكن أن ينفذه مواطن عادي ليس في السودان فقط .. انما في دول العالم الأول .. انظر قوقل citizen’s arrest
وستجد قانون أمريكي وغيره.
اذن ليس الفقر في الصلاحيات البتة .. اللهم إلا إذا كان المقصود مجموعات أو قوى سياسية .. وهذه أيضا تم القبض عليها قبل المرسوم السيادي.
أعتقد أن ضابط الشرطة الذي يقف متفرجا على تخريب وإغلاق طرق ليس سببه عدم الصلاحيات .. انما عدم التعليمات.
وسبب عدم التعليمات هو “تقديرات قانونية” بتفادي إراقة الدماء والخسائر في الأرواح والجراحات.. وهو تقدير قانوني سليم وصميم .. ليس خوفا ولا رعبا من شباب.

انا شخصيا لو كنت قاضيا وجيء لي بشباب خربوا الطريق في ظل هذا الفشل السياسي لحكمت عليهم بالعمل على إصلاحه ولما ادخلتهم السجن البتة .. واذا كانت هنالك تعويضات في حق خاص ممكن احكم عليهم بها .. اما تعويض أو تغريم في حق عام ساتفاداه، وتسبيبي لتخفيف الحكم هو حسن النية وسلامة المقصد .. ولو أصلا هنالك شهيد أو مصاب بينهم سيكون التسبيب هو تعرض المتهمين للاستفزاز الشديد المفاجيء.

اذن لا يوجد نقص في الصلاحيات أصلا.. ولن يحمي المنشور السيادي أي نظامي من الفصل أو الإيقاف إذا تم تصويره بالفيديو لايف على الفيسبوك .. لان من تراعي الحكومة غضبهم وعتابهم في الداخل والخارج لن يركزوا على منظر التخريب إنما لحظة إلقاء القبض والتي غالبا ما تستدعي ممارسة القوة.

فورا سيكون هنالك إدانات وطلبات بالتحقيق مع الجنود والضباط الذين ظهرت صورهم في الفيديوهات وسيخرجون كباش فداء في النهاية، ولن يحميهم منشور الطواريء ولا حتى إعادة قانون جهاز الأمن السابق.
ولا حتى عودة صلاح قوش، لان هنالك حديث من قحت انه من فتح المسارات للمتظاهرين.. وهذا يعني الكثير والكثير.

الحديث عن دور أي جهاز أمني يجب ألا يختزل في دوره في القبض، لأن النظام السابق سقط ولديه كل الصلاحيات في القبض، لدرجة أنه قبض على رأس النظام المشير عمر البشير وتحفظ عليه في مكان آمن كما قال الفريق عوض بن عوف.
الحكومة من جهتها تحتاج إلى مراجعات داخلية عن الأدوار الحقيقية المطلوبة (وليس الموسمية) لاجهزتها ومؤسساتها.

الساحة السياسية تحتاج إلى نقاش مختلف تماما عن نزق اليسار والناشطين في توظيف الغضب الشبابي للعودة للسلطة وهذا ما تفعله بعض الأحزاب والشخصيات .. تفعله وتبتسم بخبث وعلى أعينها نظرة دراكولا انها “تستفيد من الدم”.

بعضهم في السلطة يوما ما تحدث عن احتكار حق التظاهر لصالح الأحزاب التي هي في السلطة .. “هذه حكومتنا ونحن وحدنا من نتظاهر ضدها”.
هذا قطعا اسوء من دكتاتورية اي نظام سابق .. لأنها كانت تحتكر السلطة وهو يريد احتكار السلطة والمعارضة معا .. مثل هذا الناشط فإن الدكتاتور العسكري أمامه مجرد تلميذ يتعلم منه حصة في القمع والشمولية والتسلط.

اذن القضية فيها خلل مريع في التعاطي والتناول والتفكير من كل الأطراف.. نعم كلها ولا استثني .. خلل يشمل الحكومة الحالية بعد ٢٥ أكتوبر والحكومة السابقة .. وسيكون في التالية والتي تليها إلى مالا نهاية.

الحكومة الحالية في الشتاء وامامها الصيف المقبل حيث تشح الكهرباء والمياه وتبدأ مظاهرات الاحياء، وامامها فتح الجامعات كلها، واندلاع الاحتجاجات الطلابية.. يكفي فقط أن تخرج كلية واحدة من جامعة النيلين فقط بسبب رسوم دراسية لمليونية لتوظفها أي جهة كما تريد.

هل لدي حلول وإجابات.. لدي بعضها .. ولدي غيري بعضها .. لكن لا انا ولا غيري الان مطلوب مننا حلول .. لان أطراف الصراع اختارت أن “الحل في البل” بالقبض على الشباب أو توظيف وتحريض للشباب.
والدراكولا ذات الأنف موجودة وتدعي فيمن يدعون .. انها ديسمبرية.

بقلم مكي المغربي

اترك رد