إبراهيم عثمان يكتب : المصائب حين تفرِّق !

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

المصائب حين تفرِّق !

الرسالة التي ترسلها مقابلة الأمين العام المكلف للمؤتمر الشعبي د. بدر الدين محمد مع جريدة السوداني أن قيادة الشعبي الجديدة أُتِي بها خصيصاً لترميم العلاقة مع قحت بالتركيز على العداوة المشتركة للمؤتمر الوطني كعامل توحيد أول .. أقول الرسالة التي تصل من المقابلة، وقد لا تكون هذه هي الحقيقة الكاملة، ففيما يتعلق بقحت تناثرت الكلمات التالية على طول المقابلة ( نتعاون .. نتوافق .. اتصال .. التشاور .. توافقاً .. اتصالاً .. وفاق .. تتحاور .. تتوافق .. نتجادل .. اتفاق .. نترفع .. نسمو .. حد أدنى للتوافق .. المتفق عليها .. نتوافق دون شيطنة .. نتعامل بحكمة .. نخرج من الصندوق الضيق … إلخ ) ..

أما فيما يتعلق بالمؤتمر الوطني فقد كانت الاتهامات والتلميحات كثيرة، وتشكل، إلى جانب دعوة الوفاق مع قحت، لب المقابلة، وإحداها قطع الحزب بعدم صحتها. وإذا أخذنا الجزء الخاص بمحكمة ٣٠ يونيو ، سنجد أنه إلى ما قبل اعتقال عدد من قيادات المؤتمر الشعبي – فك الله أسرهم – كانت قيادة المؤتمر الشعبي تفصل بين نظامين : بائد لا يوفر الحريات ويعتقل وينكل بغياً ومبادأةً بالعدوان، وقائم أكثر توفيراً للحريات، ويساريون لم ولن يفعلوا أي شئ ولا يجب أن يُستمَع لأصوات التخويف منهم ( على فرض أن الخطر هو فقط الخاص بحريات قيادة الشعبي لا التوجه ومجمل السياسات) ..

من الواضح أنه كان هناك إصرار على ألا يؤثر الاعتقال الذي حدث لاحقاً على هذا الموقف، وأن يُبرأ اليسار من أي مسؤولية عن الاعتقال والمحاكمة، فقد كان تاريخ الاعتقال هو تاريخ ميلاد نظرية مؤامرة تقول إن الفصل بين نظامين ليس دقيقاً فالنظام البائد لا زال موجوداً من وراء ستار، والدليل هو اعتقال ومحاكمة قيادات الشعبي، والدليل الإضافي هو أن النائب العام الحبر “دولة عميقة” ويعمل معه في مكنبه عناصر من المؤتمر الوطني هم الذين يطبخون قضية ٣٠ يونيو ويسيسونها للإضرار بالمتهمين، وقد كانت هيئة الدفاع عن معتقلي الشعبي أول من روج لهذه النسخة من نظرية المؤامرة ..

ثم جاء الأمين المكلف الجديد وتبناها بالكامل، وجعل من المحاكمة المشتركة عامل تفريق لا تجميع ولو بالحد الأدنى الذي يخص المحاكمة، فالاعتقال والمحاكمة من تدبير ( إخوتنا الذين بغوا علينا، وما يزالون يمارسون نفس الظلم علينا، نحن الآن ما نعاني منه في الساحة السياسية جله من إخواننا الذين بغوا علينا )، ومسؤولية هؤلاء البغاة ستظل قائمة ( إذا توافقوا مع القوى الحاكمة الآن، أو لم يتوافقوا)، أما مواجهة المؤتمر الوطني الباغي فهي ( بكل الوسائل المتاحة .. قدمنا دفوعات بواسطة محامين مقتدرين من الحزب، على المستوى السياسي نخوض معركة سياسية، نكشف فيها كل ما يدور في هذه المحاكمة والاعتقالات ) ..

هذه النسخة من نظرية المؤامرة تقوم على افتراضات شديدة الغرابة :
– يساريون يحكمون بعد سقوط نظام يعادونه بشدة، والنظرية تفترض أنهم سيحاكمون قادة النظام على كل شئ إلا الانقلاب !
– أو تفترض بأنهم سيحاكمون قادة حزب ويتركون قادة حزب آخر كان شريكاً في الانقلاب تقديراً لزمالة معارضة ونضال وثورة !
– حزب محظور ومنكَّل به يتبرع لمن حظروه ونكلوا به باعتقالات ومحاكمة كبرى وأدلتها ثابتة !
– والحزب المحظور/المتحكم المدمن على البغي على حزب بعينه يعجز عن تدبير وسيلة بغي مناسبة تصيب المستهدفين وحدهم، ولا يجد إلا محكمة تحاكم قياداته أيضاً !
– ضحايا البغي يردون على البغاة بالدفوعات القانونية التي سيستفيد منها البغاة/زملاء المحاكمة أيضاً !
– البغاة يكلفون هيئة دفاع عنهم ويلاقون عنتاً، لكنهم – كما تقول النظرية – يتآمرون مع الجهات المتعنتة !
– جهة اتهام تطلب أقصى العقوبات للجميع، ولا تحابي البغاة المتهومين بالتواطؤ معها !
– دفاع البغاة، ودفاع ضحايا البغي ، يتفقان، أحياناً، على بعض الطلبات المشتركة لمصلحة جميع المتهمين بغاة وضحايا بغي !
– قحت لا تتدخل، في أي مرحلة من مراحل القضية، بأي شكل لمصلحة من يحتاجون إلى نظرية مؤامرة من هذا النوع ليتفادوا لومها !

إذا كانت قيادة الشعبي تؤمن حقاً بما تقوله، فأنسب تصرف تفعله، في تقديري، هو أن توجه دفاع المتهومين من الحزب بأن يخاطبوا القاضي بالأسباب الحقيقية للاعتقال والمحاكمة، وأن يواجهوا البغاة الموجودين داخل المحكمة وخارجها، وأن يقدموا مرافعة ختامية مختلفة تناقش القضية الحقيقية التي ترى قيادة الشعبي أنها سبب الاعتقال والمحاكمة . فعسى أن يكون ذلك أنجع لإبطال البغي .

إبراهيم عثمان

اترك رد