هشام الشواني يكتب : مأساة الواقع

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

هشام الشواني يكتب :

مأساة الواقع

من يعرف السودان بما هو خارج قلب الخرطوم، ومن يهتم حقا بملاحظة التحولات الاجتماعية التي تحدث، ومن يرى أثر السياسات الاقتصادية والفقر والجوع والهجرة والتفكك والتحلل والمخدرات وغياب الأسر، من يرى كل ذلك يفهم جيدا أن خطاب المدنية الحالي وهم، وهم مكتمل الأركان سيقود للانهيار الشامل. الحلول الأمنية والعسكرية بجانب التسويات السياسية هي المخرج التاريخي للأمة السودانية بجانب حركة عمل استراتيجي في المجتمع والتعليم، يخلق المستقبل لهذه الأمة.

هذا موقف قد يراه البعض موقفا محافظا، نعم هو كذلك لكنه نابع من تفكير في السياقات الاجتماعية للتحول السياسي، وكل من يفكر بهذه الطريقة سيصل لهذه النتيجة، وهنا يحب التنبه لجانب آخر من الحقيقة يتمثل في أن الفئات التي تروج لخطابات المدنية والليبرالية هي فئات منعمة من أبناء الأثرياء لا سيما أثرياء الإنقاذ، أولئك المرتبطون بعواصم الخارج، أبناؤهم يتعلمون في الخارج، زوجاتهم يعملن في الخارج، تتعالج أسرهم في الخارج، هؤلاء فئات تشكل شبكة ضخمة عالية التأثير، شبكة من العلاقات والمعارف والمصاهرات والأنساب، هذه الفئات الاجتماعية هي البؤر التي تصدر خطاب المدنية الوهمي الكذوب. وهي الفئات التي تحتضن الثقافة السياسية الهتافية الحالية.

إنها أزمة البرجوازية السودانية، وهذه الأزمة كان من الممكن تجاوزها لو كانت غالب هذه الفئات بثقافة وطنية وانحياز للمجتمع المحلي، مع بصيرة وإدراك للسودان بما هو أوسع من الخرطوم وقلب أحيائها ومحيط قيادتها العامة شرقا وغربا. بالطبع لهذه البؤر امتداد تأثيري خارح نطاقها الاجتماعي، فعبر الصورة والفيديو والكاميرات والأغاني المؤثرة بخلفية صور الشهداء، بكل ذلك أثر هذا الخطاب على الشباب الصغار المحبطين في الطبقات الفقيرة وما تبقى من الطبقة الوسطى، وصار هؤلاء مادة للموت والضياع في الطرقات.

إنها مأساة عميقة وتاريخية تشابه تحولات العالم الإسلامي والعربي أواخر القرن التاسع عشر مع تفكك الدولة العثمانية، حينها كانت رؤية محمد عبده قد نضجت وغايرت مواقف الأفغاني المتمرد، ففهم معنى الحفاظ على الدولة والعمل الاستراتيجي حتى يحدث التغيير والنهضة.

إن معركتنا معركة ضخمة، فنحن نبشر بموقف ضد الشعبوية الليبرالية العنيفة، ونفهم صراعنا الداخلي على ضوء الصراع الخارجي والعالمي، وننظر للظاهرة السياسية على ضوء الخلفية الاجتماعية والطبقية والثقافية. وهنا فلا مجال مرة أخرى للابتزاز العاطفي والهتافي والتهييج الذي سيدمر السودان.

وعاش السودان عزيزا موحدا مهما كان الثمن.

__________________________

الصورة لمأساة طفل في مظاهرات ستخدم عودة قيادي برجوازي بجواز أجنبي للحكم مرة أخرى، سياسي رفع الدعم وبنود الرعاية الاجتماعية ويقضي إجازاته السنوية مع أسرته في الخارج.

اترك رد