إبراهيم عثمان يكتب : ثلاث تهميشات وثلاثة حلول صفرية !

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

ثلاث تهميشات وثلاثة حلول صفرية !

تطرح كثير من الأطراف الفاعلة حلولاً صفرية لأهم مشاكل التهميش التي يكثر الحديث عنها : تهميش المركز للولايات، وتهميش الأغلبية المسلمة للأقلية المسيحية، وتهميش ثالث لا يتحدث عنه أصحابه صراحةً وهو تهميش الجماهير لأحزاب اليسارية بسبب غربتها عنها، والحلول الصفرية هي في الواقع مشاكل أكبر من المشاكل الأصلية :-

▪️ التهميش الأول استغلته حركات التمرد وشنت باسمه حروباً .. والحل تمثل في ( التمييز الإيجابي ) للمناطق التي تضررت من تحويل الحركات لها كمسرح للعمليات الحربية، وتمثل في حاكورات وظيفية في قيادة الدولة، وحاكورات في الأجهزة النظامية لقادة الحركات، بما فيها حركة الدعم السريع التي ثبت إنها لا تختلف عن الحركات الأخرى في شئ سوى ذكاء قائدها الذي اختار العمل مع والتمويل من الدولة الأمر الذي أتاح له وضعاً حاصاً ومميزاً بعد الانضمام إلى “ثورة حركات الكفاح المسلح” .. ومع هذا الحل القائم على المساومة ستظل المشكلة مستمرة ما استمر الحلو وعبد الواحد – وربما بقية قادة الحركات – في الإيمان بأن الحلول الصفرية التي تقلب معادلات السلطة رأساً على عقب ممكنة ..

▪️ أما التهميش الثاني المزعوم، فلم يخلق مشكلة حقيقية مع المسيحيين، إذ لم يشنوا الحروب باسمه، وقد استغلته الأحزاب والحركات العلمانية بقياداتها المسلمة لفرض أيديولوجيتها، ومع صغر المشكلة، بل وافتعالها، جاء الحل صفرياً لا مساومة فيه ولا تقاسم ولا تمييز “إيجابي” للعلمانيين المسلمين الرافضين للشريعة بإدخالهم مع المسيحيين في الاستثناء من تطبيق أحكامها ، بل جاء بتسليم كامل وتمييز مطلق للعلمانية والعلمانيين، وتهميش، بل إقصاء كامل للشريعة الإسلامية .. جاء الحل صفرياً ببساطة لأن الحكام، في شقهم المدني يناسبهم هذا الحل الذي يطابق هواهم، ولأنهم في شقهم العسكري، لن ينفقوا على هذا الحل “السهل” من سلطتهم ونفوذهم ومصالحهم المباشرة، بل بالعكس يؤملون في الأرباح منه، رضىً ودعماً من الخارج .. وسيظل الفيتو ضد هذا الحل الصفري مرفوعاً ما دامت الأغلبية للمسلمين غير الكارهين لدينهم أو المساومين عليه، وسترفعه أي انتخابات حرة نزيهة، ولن تبطله بدعة المبادئ فوق/غير الدستورية كما يعتقد الحلو ومن يوالونه ..

▪️ أما التهميش الثالث المسكوت عنه : تهميش الجماهير لأحزاب الفكة اليسارية، فهو التهميش الذي يصنع معظم المشاكل الحالية، وهو الذي تسبب في صناعة أكثر الفترات الانتقالية تشوهاً واضطراباً وفشلاً في تاريخ السودان، هذا مع إنه التهميش الوحيد الحقيقي تماماً الذي ليس فيه إدعاءات وتضخيم، ومع إنه قانوني ولا افتئات فيه ولا ظلم لأنه لا يخرج على قواعد الديمقراطية، وكان ينبغي ألا يشكل أي مشكلة، خاصةً لدى قوىً تسمي نفسها بالقوى الديمقراطية، كما اعترف خالد سلك في لحظة مكاشفة نادرة للذات قبل سنوات، ولهذا السبب لا تتظلم منه أحزاب الفكة اليسارية علناً، رغم إنه التهميش الأكثر تأثيراً على سلوكها السياسي ..

▪️ مع صغر هذه المشكلة ولا شرعيتها سعت قحت إلى حل صفري لها، وهو ما قبل به المجلس العسكري في البداية، أي إقامة فترة انتقالية مصممة بالكامل للتعامل مع هذه المشكلة : أطول من كل الفترات الانتقالية، وتشهد تمكيناً نهماً لأحزاب الفكة اليسارية وأفكارها وكوادرها، وتتيح لها الإقصاء الكامل للخصوم، وأعلى درجات الانتقام منهم، وتسمح لها بهندسة كبرى للانتخابات بما يكفي لاستدامة التمكين الانتقالي ..

▪️ هذا الحل الصفري جعل أحزاب الفكة اليسارية تنشغل بتفاصيله عن القضايا الكبرى التي يجب أن يهتم بها الحكام، وكان الفشل الكبير المشهود، وكان كابوس الثورة أو الانقلاب اللذان توفرت كل ظروفهما، فقرر المكون العسكري إيقاف هذا الحل عالي الكلفة، وإقامة فترة انتقالية شبه طبيعية .. الاستغناء عن هذا الحل الصفري بعد ثبوت فشله أُعتبِر إنقلاباً كامل الدسم، غضبت بسببه قحت غضبتها المضرية، وغضبت معها السفارات، وغضب فولكر، ورأت فيه قحت، والشيوعيون، الذين أيدوا ما جرى في مصر تشبهاً به يستحق إدانتهم الكاملة !! .. ويبحث فولكر الآن عن حلٍ يتعامل مع عقدة قحت، وهي تجزم بأن الردة عن مكاسبها مستحيلة، والمكون العسكري يجزم، بصوت منخفض، بأن الردة “الكاملة” إلى ما قبل قرارات التصحيح مستحيلة، والشعب ينتظر نتيجة مباراة المستحيلات هذه ..

▪️ الأسئلة التي تستحق، في تقديري، أن يبحث الجميع عن إجابة لها : بما أن قحت قد أثبتت قدرتها على استغلال الراستات للتخريب، وبما أن السفارات ستدعمها في ذلك، وكذلك فولكر، وبما أنها ستشوش على أو حتى تعيق أي انتخابات لا تتعامل مع عقدتها، وبما أنها سترحل المشكلات إلى ما بعد الانتخابات بما يحولها إلى مشكلة لا حل، بما أن كل ذلك كذلك، فهل آن الأوان لاستغلال مبادرة فولكر ليس للعودة إلى الحل الصفري القديم المجرب المتمثل في التمكين الإنتقالي المزمن كيفاً وزمناً، وخطط هندسة الانتخابات، والذي على الأرجح ستنال قحت بعضه نتيجة المبادرة المصممة أصلاً لهذا الغرض، وإنما للبحث عن حل جماعي متوافق عليه لعقدة أحزاب الفكة اليسارية من الانتخابات يختلف عن الذي تقترحه ؟ هل يمكن أن يكون هذا الحل في شكل مبتكر من أشكال الديمقراطية التوافقية يُصمَّم خصيصا لمعالجة رعب اليسار وعقدته ؟ إن كان ذلك ممكناً، فهل الحل هو في تمييز إيجابي ( كوتة مجزية أو ما شابه) لصالح اليسار كقوى مهمشة شعبياً ومعزولة ولا تعطيها الصناديق الحرة النزيهة ما تريد ؟

إبراهيم عثمان

اترك رد