الركود التضخمي حالة نادرة وشاذة تصيب الإقتصاد السوداني

السودان

رصد : الرآية نيوز

تشهد أسعار السلع والخدمات ارتفاعا ملحوظا في الأسواق المحلية بالخرطوم والولايات أدت إلى ارتفاع معدل التضخم لأرقام قياسية وخيالية بلغت 350% بنهاية ديسمبر الماضي ويتوقع أن يتواصل ارتفاع التضخم خلال هذا العام مما ينذر بحدوث إنهيار اقتصادي، وبالمقابل تشهد الاسواق المحلية ركودا ملحوظا وضعفا في القوة الشرائية لدي المواطنين نتيجة لارتفاع أسعار السلع والخدمات بما يفوق دخل العاملين والموظفين ويفاقم معاناة المواطنين الأمر الذي خلق حالة شاذة ونادرة تحدث في نفس الوقت بحدوث ارتفاع في التضخم وركود في القوة الشرائية وبقاء الاسعار مرتفعة في أعلي مستوياتها.
وطال ارتفاع الأسعار كل السلع بمتوالية يومية ترتفع بها الاسعار، بجانب ارتفاع أسعار الخدمات خاصة الخدمات الصحية والتعليمية والعلاجية والأدوية المنقذة للحياة وتكلفة الشحن والنقل البحري والجوي ونقل البضائع وتذاكر السفر إلي الولايات فضلا عن اسعار الأطعمة والمشروبات مع حدوث ضعف واضح في الطلب والقوة الشرائية.

حالة نادرة وشاذة

ويري خبراء اقتصاديون ، أن الاقتصاد السوداني أصيب بحالة نادرة وشاذة بدخوله مرحلة الركود التضخمي والتى تعني ارتفاع قياسي في أسعار السلع والخدمات بالاسواق وارتفاع التضخم، بينما تعاني الأسواق في نفس الوقت من ركود وضعف في القوة الشرائية.
ويري دكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي، أن الاقتصاد السوداني يعاني من حالة اقتصادية نادرة وهي حالة الركود التضخمي ، وهذا يعني ( الجمع بين النقيضين) ، الحالة الاولي يكون التضخم فيها مرتفعا والاسعار مرتفعة ، والحالة الثانية يكون فيها ركود وضعف في القوة الشرائية لدي المواطنين وتكون فيها الاسعار مرتفعة، واضاف: لكن أن يتم الجمع بين النقيضين في وقت واحد فهذا يعني أن الإقتصاد الوطني أصيب بحالة نادرة وشاذة فمثلاً إذا انخفضت قيمة العملة الوطنية الجنيه أمام العملات الأجنبية ترتفع الأسعار في نفس اللحظة ، بينما عندما يحدث العكس بأن تقوي العملة الوطنية الجنيه أمام العملات الأجنبية لا تستجيب الحركة التجارية لهذا التحول باعتبار أنه يؤدي إلى خفض الأسعار والغلاء في الأسواق المحلية ولكن الاسعار لم تنخفض ولاتستجيب الاسواق وتخفض الاسعار، وكذلك الركود التضخمي يتم فيه الجمع بين النقيضين في حالة وفرة في السلع ، ونفس الوقت الاسعار تظل مرتفعة في اعلى مستوياتها وهذا الوضع الشاذ والنادر تشترك فيه عدة جهات من بينها القطاع الخاص الذي يسعي إلي الربح السريع ، والحكومة بتطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي وفقا لوصفة صندوق النقد الدولي بصورة مباشرة قاسية تأثر بها المواطنين وزادت معاناتهم، بجانب ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي لا تستجيب الحركة التجارية بخفض أسعار السلع والخدمات.

القادم اخطر

وأكد دكتور محمد الناير، أن القادم اخطر بعد زيادة تعرفة الكهرباء والتي ستؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج وزيادة الاسعار ، وسيجعل حالة الركود التضخمي تتفاقم ، كما سيؤدي إلى ضعف القدرة التنافسية للسلع السودانية وهزيمتها ليست فقط في الأسواق العالمية، وانما في الأسواق المحلية من قبل السلع المستوردة من الخارج ودول الجوار والتي ستكون اسعارها أقل من أسعار السلع المحلية التي ترتفع اسعارها لارتفاع تكاليف الإنتاج وتضعف قدرتها على المنافسة في السوق المحلية واضاف: فقدان التنافسية هذا ليست بسبب فقدان الميزات التنافسية ، وانما لارتفاع تكاليف الإنتاج بصورة كبيرة ، ومضي الى القول بأنه لا يمكن أن تستمر التعقيدات في المشهد الاقتصادي ، ونرى الدولة ماضية في فرض مزيد من الأعباء والضرائب على القطاعات الإنتاجية الأمر الذي ينعكس سلبا على معاش الناس وسيزيد من الركود التضخمي.

عدم الاستقرار السياسي

ويري الاستاذ محمد نور كركساوي الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية لتيار الوسط للتغيير، أن عدم الاستقرار السياسي فى السودان يؤدي الى حالتين حالة الركود وحالة التضخم الاقتصادى.
واضاف: الركود الاقتصادي هو انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما أو بمعنى آخر تسجيل نمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي (انكماش اقتصادي) لمدة ربعين متتاليين على الأقل، وقد كانت معظم حالات الركود التي شهدها العالم قصيرة الأمد، ويعود الركود الاقتصادي في العادة إلى تفوق الإنتاج على الاستهلاك، مما يؤدي إلى كساد البضاعة ثم انخفاض الأسعار، فيصعب بذلك على المنتجين بيع المخزون، ليتلو ذلك انخفاض في معدل الإنتاج، ويمكن مشاهدة آثار الركود في الانخفاض الكبير بالنشاط الاقتصادي لعدة أشهر، مما يعكس انخفاضا بالناتج المحلي الإجمالي والدخل الحقيقي للدولة، وفي زيادة البطالة وانخفاض الإنتاج الصناعي وانخفاض مبيعات تجارة التجزئة واضطراب أسواق الأسهم وتراجع الاستثمارات.
وفي حال استمر الركود لسنوات فإنه يتحول إلى كساد اقتصادي، كما حصل مع الكساد الكبير عالميا في العام 1929، حيث استمر الركود لعشر سنوات.
ومضي كركساوي الي القول بأنه: في يومنا هذا -يقول صندوق النقد الدولي- إن الاقتصاد العالمي سيواجه أسوأ موجة ركود هذا العام منذ الكساد الكبير عام 1929 بسبب جائحة كورونا، حيث إنه يتوقع انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 3% ،
ومن اثار الركود الاقتصادى زيادة البطالة والتي تعني عدم الحصول على فرصة عمل على الرغم من توفر القدرة عليه ومداومة البحث عنه، وهي ظاهرة اقتصادية تنتج عن اختلال التوازن في سوق العمل الذي يشهد فائضا في الطلب مقارنة بفرص العمل الموجودة (العرض)، اما معدل البطالة هو النسبة المئوية لعدد العاطلين عن العمل من إجمالي السكان النشطين، ويشمل مفهوم (لسكان النشطين) , وفق منظمة العمل الدولية- جميع الأشخاص الذين ما زالوا في سن العمل، سواء كانوا يعملون فعلا أم يبحثون عن عمل، وسواء كان عمولهم مأجورا أم غير مأجور.

مظاهر الركود

ونوه كركساوي الي انه في ظل التظاهرات والاعتصامات وعدم الاستقرار السياسى يتوقع ارتفاع نسبة الركود الاقتصادي فى قطاعات كثيرة وقد حدث بالفعل بقطاعات وكالات السفر، الأراضي العقارات، الاثاثات المنزلية ، السيارات.. الخ المنتجات الغير ضرورية لحياة الناس مع انكماش الإنتاج المحلى عموما وبالتالى تزيد نسبة البطالة المحلية بأعلى مما كانت عليه النسبة السابقة وهى اكثر من ٤٠% وسط الشباب الخريجين

معدل التضخم

ويري كركساوي أن معدل التضخم هو الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، سواء كان هذا الارتفاع بسبب زيادة كمية النقد المتداول في السوق بشكل يجعله أكبر من حجم السلع المتاحة أو العكس، أي أنه ناجم عن زيادة في الإنتاج فائضة عن الطلب الكلي، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ويمكن أن نميز بين تضخم الأسعار ويعني الارتفاع المفرط في الأسعار، وبين تضخم الدخل ويقصد به ارتفاع الدخول النقدية مثل تضخم الأجور وتضخم الأرباح، وبين تضخم التكاليف ويعني ارتفاع التكاليف، ويضاف إلى هذه القائمة التضخم النقدي، أي الإفراط في إصدار العملة النقدية.
وعكس التضخم هو الانكماش، ويعني انخفاضا عاما في الأسعار خلال فترة محددة، ويشكل كلاهما عند مستويات معنية خطرا على الاقتصادات.
واضاف كركساوي : لتعديل مستويات التضخم نحتاج الى سياسات مالية وأخرى نقدية، فبالنسبة للسياسة المالية يمكن معالجة التضخم من خلال كبح جماع الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب، أما بالنسبة للسياسة النقدية فيتمثل أشهرها في تخفيض المعروض من النقد في الأسواق عبر رفع أسعار الفائدة من جانب البنك المركزي ، تقليص طباعة النقود ، بناء الاحتياطي النقدى من العملات الاجنبية والذهب .ثم انخفاض الطلب، والعكس صحيح عندما يحدث انكماش اقتصادي تتم زيادة الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب وأسعار الفائدة لتحفيز الطلب.
ونوه كركساوي الي ان الجهات المختصة تقيس تضخم الأسعار على سبيل المثال من خلال ما يسمى مؤشر أسعار المستهلك، حيث يتم اختيار سلة من السلع والخدمات الأساسية لأغلب المستهلكين، ثم يجري حساب نسبة تغير أسعارها شهريا بمقارنة شهر بالشهر الذي يسبق، في حين يتم حساب التضخم السنوي من خلال الشهر الذي يتم احتساب التضخم فيه قياسا إلى الشهر ذاته من العام الذي قبله.
وفي وقتنا الحالي فارتفاع مستويات تضخم الأسعار بسبب عدم صمود سعر صرف الجنيه السودانى أمام العملات الأجنبية، وزيادة الكتلة النقدية مقابل ضعف سلاسل الإمداد الغذائية للسلع والخدمات الأساسية.

ظهور الركود الاقتصادي

ويري دكتور هيثم محمد فتحي الباحث الاقتصادي، أنه مع استمرار جائحة كورونا لمدة سنتين ومع المحاولات الدولية لمكافحة الوباء على المستوى الصحي، ظهرت بالربع الأخير للعام ا2021 مشكلة الرُّكود التضخمي والتي ترتبط بمعدلات نمو ضعيفة مع بطالة مرتفعة، والتي تمثل ركودًا اقتصاديا مع تضخم بارتفاع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات وارتفاع التكاليف رغم قلة الطلب على السلع والخدمات، وحدثت هذه الحالة بعد عامين من تأثيرات الوباء الفيروسي على نمو الاقتصاديات العالمية مع ارتفاع بالأسعار، وأشار إلى أن الزيادة السريعة بأسعار النفط، والأسعار في السودان تأثرت بهذا وما زلنا نعاني من ارتفاع الأسعار وارتفاع التضخم ولكن ليس مثل الدول العظمى بالركود التضخمي
ما يساهم في عدم سقوط السودان في هذا الركود التضخمي هو عدم توافر مقوماته المؤدية له حيث تتوفر الأيدي العاملة في السودان بأسعار متدنية والشركات والدولة لم تدفع رواتب للعاملين وهم بمنزلهم
لذا لن يحدث بسبب انخفاض تكلفة الأجور.

تولد ظاهرة الركود

واضاف دكتور هيثم : يمثل الاقتصاد السوداني في أوضاعه وظروفه الراهنة حالة بالغة الدلالة والتمثيل للعوامل التي تولد ظاهرة الركود التضخمي
وهو يتشابه في الكثير من هذه الأوضاع والظروف مع الاقتصادات النامية، فمثلا تزايد الأنشطة الريعية, أي الأنشطة والدخول التي لا ينتج عنها قيمة مضافة ولا زيادة في الإنتاج، احد أهم عوامل الأزمة وهي تمثل قوة دفع لزيادة أسعار منتجات القطاعات الحقيقية ( الزراعة الصناعة الخدمات المنتجة)، فأنشطة المضاربات والوساطة والسمسرة والأعمال الطفيلية وأنشطة الفساد والأنشطة المخالفة للقانون والتجارية غير المشروعة، تزاحم أنشطة الإنتاج الحقيقي في غيبة سياسات لتشجيع وتحفيز ودعم القطاعات الحقيقية.

عوامل الركود

واكد دكتور هيثم : ان الطاقات الإنتاجية المعطلة وانهيار الأسواق بسبب الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتتريس وعدم وجود استقرار أمني تمثل أحد أهم عوامل الركود التضخمي، خاصة اننا نعاني الان من خلل وتضارب في السياسات الاقتصادية الكلية, مثل التوسع الكبير في عرض النقودمع طبع مبالغ لسد عجز الموازنة.

تقرير: ST

اترك رد