العبيد احمد المروح يكتب : سيناريوهات الثورة المضادة في السودان

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

العبيد احمد المروح يكتب :
سيناريوهات الثورة المضادة في السودان

 يستسهل الكثيرون من المحللين والناشطين العرب ومن “الديسمبريين” السودانيين، إسقاط النموذج المصري في انتكاسة التحول الديمقراطي على ما يحدث في السودان الآن، ويرون أن كل شواهد تلك الانتكاسة تتطابق مع ما يجري في بلادنا لدرجة العبارات المستخدمة في خطابات القادة العسكريين حين بداية الانحراف عن مسار الثورة. وعلى الرغم مما في هذا الاستنتاج من وجاهة ظاهرية إلا أن المتعمق في المقارنات سيجد الكثير من الاختلاف كما سنحاول تبيانه في هذا المقال.

وقبل أن أذهب بعيداً في تتبع مآلات الأوضاع في السودان، أود أن أنبّه إلى أنني لن أضيع وقت القارئ الكريم بالخوض في جدل أكاديمي لتعريف معنى “الثورة المضادة”، وإنما سأكتفي بشرح ما أقصده باستخدام المصطلح، فهو يعني بالنسبة لي (القوى الإقليمية والدولية التي رأت في تحركات الشعوب العربية لتحول بلدانها نحو الحكم المدني الديمقراطي خطراً على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، فتحالفت مع الجهاز القديم للدولة لوقف ذلك التحول أو التحكم فيه)، ومن المهم كذلك أن نلاحظ أن ما انتهت إليه الأوضاع في البلاد التي شملتها ثورات الربيع العربي، ليس نموذجاً متطابقاً على الرغم من أوجه الشبه العامة!!

نستطيع القول أن السياق الزماني الذي أتت فيه ثورات الربيع العربي (نهاية العقد الأول من بداية القرن الحادي والعشرين) كان سياقاً مشوشاً دولياً، فقد جرت في بداية  ذلك العقد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت في إثر ذلك ما يسمى بالحرب الدولية على الإرهاب وتم ربط تلك الحرب بشكل وثيق بالإسلام، وشكلت الولايات المتحدة وقادت حلفاً دولياً لهذا الغرض كان أول ما بدأه هو الإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان ثم غزو العراق وإسقاط نظامه، والبدء فيما زُعم أنه سياسة تجفيف محاضن الإرهاب ووقف مصادر تمويله، وبدأ حديث عن فرض القيم الديمقراطية وإطاحة الأنظمة الشمولية أو حتى الوراثية، فانخرطت أنظمة مختلفة في المنطقة في سلك الطاعة خوفاً من هيجان الثور الأمريكي الجريح، وحاصرت تبرعات المحسنين للعمل الخيري وأعادت النظر في عمل المنظمات والجمعيات الأهلية التي يمتد نشاطها لخارج تلك الدول وفرضت رقابة مباشرة على البنوك المركزية.

وحينما بدأت نسمات الربيع العربي تهب على المنطقة، كانت سياسة ربط الإسلام بالإرهاب والتي تبنتها الدول الغربية قد رسخت أقدامها، وكانت إسرائيل – التي هي ربيبة أمريكا وصنيعة الغرب في المنطقة –  ما تزال تعاني من صدمة فوز حركة حماس بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في  2006 ، فكيف والحال كذلك إن فاز الأخوان المسلمون بالانتخابات في بلدٍ ذي ثقل النوعي كمصر بعد أن فاز تحالف الإسلاميين والقوميين في تونس؟

وهنا تحركت الآلة الإسرائيلية وبمعاونة آليات الأنظمة الشمولية في المنطقة لإقناع الحليف الأمريكي بعدم صلاحية الديمقراطية لشعوب هذه المنطقة من العالم ومن ثمّ بدأ التحضير للانقضاض على الربيع العربي، لأنه – بنظرها – سينتج في المحصلة معادلة سياسية تحيي أشواق الملايين من المسلمين للعيش في أوطانهم بحرية وكرامة، وسيجعل من التيارات الإسلامية (أسموها الإسلام السياسي) جزءا من المعادلات المستقرة للحكم.

ومن يقرأ مذكرات الرئيس الأمريكي وقتها، باراك أوباما، ومذكرات وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون، سيكتشف مدى الحرج الأخلاقي الذي وجد “دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان” أنفسهم فيه، وكيف أنهم فضلوا – في نهاية المطاف – مصالح الأمن القومي الأمريكي والمصالح الإقتصادية على ترسيخ القيم الديمقراطية في المنطقة، وسمحوا بعرقلة التحول الديمقراطي بل بالانقضاض عليه على النحو الذي يعرفه الجميع!

في السودان، كانت عناصر المعادلة مختلفة، فقد كان النظام الحاكم وقتها محسوباً على “الإسلام السياسي” وبالتالي لم يكن هنالك خوف إقليمي من أن يثور الناس عليه، بل إن الغرب والأنظمة المتحالفة معه شجعوا ذلك، ولذا تم تسخير الآليات التي ثبتت نجاعتها في إثارة الجماهير، لمزيد من التحريض على نظام الإنقاذ، وجرى اعتماد المزيد من سياسات وآليات الخنق الإقتصادي ومحاصرة النظام سياسياً ودبلوماسياً، حتى نجحت تلك الجهود بعد ثماني سنوات من بداية الربيع العربي في الإطاحة بالنظام، ووقتها كان التحالف الإقليمي، الذي يضم إسرائيل أيضاً، قد ترسخ في المنطقة ونجح في إقناع الغرب بأن مصلحته الاستراتيجية وأمنه القومي يقتضي عدم الحماس لموضوع التحول الديمقراطي، خاصة إذا كان هذا التحول سينتهي إلى وصول التيارات الإسلامية إلى مراكز صنع القرار ومؤسسات الحكم.

اترك رد