دكتور ياسر أبّشر عبدالمجيد يكتب : حصاد الشيوعية ( 20 ) مهر البَغِي

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

دكتور ياسر أبّشر عبدالمجيد يكتب :

حصاد الشيوعية ( 20 ) مهر البَغِي

ظلت ثلاث وقائع تتردد على ذهني كثيراً . أولاهنّ مئات الألوف التي شيعت شيخ الإسلاميين الزبير محمد الحسن ، وضَجّت بهم الطرق من شارع الستين وحتى مقبرة بُرّي ، والثانية الألوف التي إستقبلت المهندس صلاح الدين إدريس وتقاطروا على قريته من كل القرى المجاورة في ريفي شندي ، يوم أن أُطْلِقَ سراحه من سجون قحت ، والثالثة هي الألوف التي استقبلت جمال الوالي في فداسي ومن كل قرى الجزيرة المجاورة يوم أطلق سراحه من سجون قحت . وفي كلا الحادثتين نُحِرت الذبائح وزعردت النساء وأطْلِقَ الرصاص فرحاً. في عزاء الزبير وفي إطلاق سراح المهندس صلاح الدين إدريس وجمال الوالي إجتمع عِلْيَة القوم ووجوههم والمقدمين في المجتمع . وثلاثتهم من الإسلاميين وثلاثتهم يجدون من المجتمع السوداني كل تقدير وتوقير واحترام .
وعلى الضفة الأخرى ، أطلق سراح دكتور عبدالله حمدوك بعد شهر من حبسه المنزلي فلم تزره إلّا زمرة من قومه الشيوعيين ، ولم نسمع أن كرام الناس وقادة المجتمع الحقيقيين زاروه. ولم يرد أن حتى زعماء قبيلة كنانة العظيمة أظهروا فرحاً بإطلاق سراحه .
ذَكّرتني هذه الوقائع بالبحوث والدراسات التي تُكتب عن التجسس ، وما أكثرها، وتجد فيها أن أجهزة المخابرات الغربية لا تستهدف شخصاً بالتجنيد إذا وجدت أن له امتداداً إجتماعياً ، ومن ثم له ضمير إجتماعي صلب a solid social conscience .
وذلك لأن ضميره الاجتماعي الصلب يحول بينه وأن يتمكن من أن يعيش الحياة المزدوجة double life التي هي من ضرورات حياة الجاسوس كما تعرف أجهزة الإستخبارات . وتعرف أجهزة الاستخبارات بل تُجمع أن الجاسوس شخص يسعي لمكاسبه الخاصة فهو Self- serving . ولا تثق أجهزة الإستخبارات بالجاسوس أبداً فكلها تقول أن الجاسوس يكذب ولذا تتحوط من تقاريره وتخضعها للفحص والتدقيق والمقارنات مع تقارير مصادر أخرى . وتعرف تلك الأجهزة أن طبيعة عمل الجاسوس ستجعله مُمْتَصّاً ( مشفوطاً ) ومحاصراً Sucked and Trapped بواسطة الجهاز الذي جنده ويراقبه ويسيطر عليه لدرجة أنه لن يكون قبطان حياته Captain of own life .
وكل هذه المطلوبات ، أو ما ستؤدي له حياة الجاسوس ، تجعل من المستحيل أن يصير المرحوم الزبير محمد الحسن والمهندس صلاح الدين إدريس وجمال الوالي وأمثالهم من أولاد القبايل جواسيساً . فهم غير مؤهلين بمعايير أجهزة المخابرات . ولكن عبدالله حمدوك يصلح ، وقد صَلُحَ . هذا من ناحية إجتماعية نفسية فقط . وتقول الدراسات إن الجاسوس المُفرد يمر بعشر حالات نفسية متباينة ، فيكون في أقصى حالات التوتر والعصبية وتأنيب الضمير والندم في الاسابيع الأولى من تجنيده . ويتدرج إلى مرحلة يعتاد فيها على ما يقوم به وعندها يصبح التجسس له صنعة ومهنة ينشط لها. وهي مرحلة The Active Spy Career Stage .
تعرفت على شاب خلوق متدين من أبناء جبال النوبة ، كان يعمل مُرشداً إسلامياً ( Muslims Chaplain ) للمساجين المسلمين. وتوثقت العلاقة بيننا ، فحدثني مرةً عن شخص من منطقتهم بالجبال ومشهور في السودان ولكن المخابرات البريطانية MI 6 جندته. قال لي إنه كان يزور ذلك الرجل المقيم بلندن ، وأبدى عجبه لأن الرجل كان يحدثه بلا حرج عن عمله مع المخابرات البريطانية ، وأنه قال له إن المخابرات البريطانية محيطة بالأوضاع في السودان لكثرة من جنّدتهم من السودانيين لدرجة أنه كثيراً ما يرد الضابط المكلف بالإتصال به Case officer تقاريره عن السودان ، ويقول له هذه جاءتنا !! وكان الشاب يعجب من صراحة ذلك الرجل المشهور الجاسوس في أمرٍ بتلك الحساسية ، حتى قلت له إن هذا الجاسوس وصل مرحلة امتهان الجاسوسية وتعود عليها ، وأصبح ممن ” كلّا بل ران على قلوبهم” ما كانوا يتجسسون ، فبلغ درجة موات القلب والضمير.
وحين كان عمر قمر الدين باميركا قبل سقوط الانقاذ كان مثل ذلك الجاسوس تماماً ، فكان لا يجد حرجاً في الحديث عن اتصالاته برجال الكونجرس ورجال المخابرات الأمريكية ، ويحدثهم عن أوضاع السودان ، وكان يتحدث بانتشاء Euphoria عمّا نقله لهم !!! وحالة الإنتشاء هذه يصلها الجاسوس في المرحلة السابعة التي تسمى مرحلة السكون ( Dormancy Stage ) من المراحل النفسية التي يمر بها .
استخلصت من إطلاعي ، وَممّا رأيت وسمعت من مختصين ، أن الجاسوسية كالدعارة تماماً. فالعاهرة المُفْرَدَة في أول عهدها تعاني من وخز الضمير ، ويعذب الندم قلبها ، حتى إذا عَهِدَتْ العُهْرَ وتَمَرّغت في أباطيلٍ وأوْحَالِ زال عنها كل ذلك الوخز والندم . وحتى إذا اكْتَهَلَتْ وأذْبَلَ الدهرُ منها زهرة الجَسَدِ غَدَتْ جريئة ( فاتية ) لا يهمها ما يقال فيها ، بل وتتجرأ بكل البذاءات على الشرفاء الأحرار ، ثم تَمْتَهِنُ القوادة تغوي النساء لِتُلَوّثهُنّ ، فالعاهرة لا تحب الشريفات العفيفات . وكذا العملاء الجواسيس . وكلا البغاء والتجسس لا يمارسهما الشرفاء المحترمون ، وإنما يقع فيهما أراذل الناس.
وفي مجتمع العاهرات لا تُعَيّر عاهرة أختها أو تسبها بالدعارة. ولا تستطيع أن تنهاها عن فُحْشِها وفُجُورِها ، فهُنّ جميعُهُنّ في الانحطاط والابتذال سواء .
أمًا وقد اتّخذ الشيوعيون والعلمانيون عامة منظمات في المهجر وفي السودان تعتمد في تمويلها على منظمات غربية مشبوهة وعلى سفارات وأجهزة مخابرات ولِسَنَوات ، فقد بلغ بهم الأمر مبلغاً اعتادوا فيه على أموال العمالة والتجسس ، فلم يعد في الأمر سُبّة. غدوا بالفعل كمجتمع العاهرات إبتذالاً وانحطاطاً. .فهم – وكالعاهرات تماماً – لا يتناهون عن منكر يفعلونه في حق الوطن . وكالعاهرات تماماً يبغضون الفضيلة والفُضَلاء. ألا تراهم يسبون شيخ عبدالحي ، ويريدون مِنّا أن نُصدّق أكاذيبهم هم فيه !!! وتلك نتيجة حتمية لدى موت الضمير وموت الوازع .
جيئ بفتى زنى لسيدنا على بن أبي طالب فسأله عن عدد مرات زناه ، فقال الفتى واحدة ، فقال له سيدنا علي كذبت إن الله لا يفضح في ذنبٍ واحد. وهذا عين فضيحة نائبة مدير المعونة الأمريكية. والمنطق يقول إنه كما أن العاهرة في الأعم الغالب لا تَقِفُ نفسها على رجلٍ واحد ، فكذلك شأن منظمات التجسس الشيوعية والعلمانية لا تَقِفُ نفسها على خواجي واحد ، بل تُحِبُّ وتسعى أن يتعدد عليها الخواجات من كل الجنسيات وعُملاتهم لِقاء عمالتها يُقَوّي مُخُّ العظام ونور العينين فتُكْثِر منها .
ولما رأوا ثورة الجماهير واحتقارها لمنظماتهم العميلة انبرى مندوبهم يقول لنا إن الأمر في مرحلة التخطيط ، ونحن نعلم أن المال أجيز في الميزانية منذ يناير هذا الماضي .
وقبل نائبة مدير المعونة التي فضحت مبلغ المائة مليون دولار ، وألْمَحَتْ إلى أنّ بنت الرّوبي تعمل معهم ، كتب كاميرون هدسون أن الدول الغربية أنفقت مليارات الدولارات لإسقاط الإنقاذ عبر العقود الماضية. مليارات لم تشترِ منها منظمات الشيوعيين والعلمانيين دواء للملاريا ولا مصل عقرب ولا مِضَخّة مياه ، ولم تؤهل مدرسةً أو تحفر بئراً .
ولكن يجب أن نتذكّر أن مَهْر البَغِي لا يَصْلُحُ لعمل الخيرات .

دكتور ياسر أبّشر عبد المجيد
—————————————
5 فبراير 2022

اترك رد