علاء الدين محمد ابكر يكتب : بمن يستجير الشعب من جور هؤلاء

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

علاء الدين محمد ابكر يكتب :

بمن يستجير الشعب من جور هؤلاء

_______________

يحكى أنه في يوم شديد الحر ، قدم أعرابي لمجلس معاوية بن أبي سفيان ، فتأمله معاوية ، وقال لجلسائه : ما الذي يأتي برجل كهذا في يوم شديد الحرارة لا يتحمله أحد ، والله لو كان سائلاً لأعطيته ، ولو كان مستجيراً لأجبرنه ولما دخل الرجل على أمير المؤمنين معاوية قال له : ما حاجتك يا رجل ، فرد عليه الأعرابي : قد جئتك مستجيرًا يا أمير المؤمنين ، فقد ظلمني وإليك مروان بن الحكم ، وأنشد عليه أبيات تقص قصته ، وقال فيها :
معاوية ، يا ذا الفضل والحلم والعقل وذا البر والإحسان والجود والبذل
أتيتك لما ضاق في الأرض مذهبي وأنكرت مما قد أصبت به عقلي
ففرج – كلاك الله – عني فإنني لقيت الذي لم يلقه أحد قبلي
وخذ – هداك الله – حقي من الذي رماني بسهم كان أيسره قتلي !
وكنت أرجى عدله إن أتيته فأكثر تردادي مع الحبس والكبل
سباني سعدي وانبرى لخصومتي وجار ولم يعدل وغاضبني أهلي
فطلقتها من جهد ما قد أصابني فهذا ، أمير المؤمنين ، من العدل ؟
ثم قال : يا أمير المؤمنين ، قد كان لي زوجة ، هي سعدى ابنة عمي ، كنت له محبًا وبها كلفا ، وكانت لي صرمه من الإبل أستعين بها على مصاعب الحياة ، والعيش ، ولكن أصابتنا سنة ذات قحط شديد ، أذهبت ما معنا من مال ؛ فأصبحت لا أملك شيء .
لما علم أبوها بسوء حالي أخذها مني ، وطردني ، فذهبت إلى عاملك مروان بن الحكم ؛ لكي يردها إلي وينصفني من جور أبيها ؛ فأحضر أباها وسأله : فقال ما أعرفه من قبل ، فقلت : أصلح الله الأمير ، إن رأى أن يحضرها بين يديه ، ويسمع قولها ؛ فليفعل ، فبعث إليها مروان ، ولما امتثلت بين يديه ، وقعت منه موقع الإعجاب فصار خصما لي ، وحبسني في السجن لكي أطلقها ، ولما رفضت جعل رجاله يعذبونني حتى طلقتها مرغمًا ، وتركني في السجن ، حتى انقضت أشهر العدة ، وتزوجها ودخل بها ، وأعطى أباها ألف دينار ومائة درهما لكي يرضى ، فتعجب معاوية من جور مروان بن الحكم ، وقال والله لقد جئتني بحديث لم أسمع مثله من قبل ، وأرسل رسالة لمروان بن الحكم يقول فيها : (قد بلغني أنك اعتديت على رعيتك ، وانتهكت حرمة من حرم المسلمين ، وتعديت حدود الدين ، وينبغي لمن كان والياً أن يغض بصره عن شهواته ، ويزجر نفسه عن لذاته ، فما إن قرأ مروان ما كتبه معاوية حتى ارتعدت فرائصه ، فطلق سعدى في الحال ، وبعثها إليه)
ولما رأى معاوية بن أبي سفيان زوجة الأعرابي ، وجدها أية في الحسن والجمال ، وخاطبها فكانت أفصح النساء منطقا ؛ فأعجب بها هو الأخر ، وقال للأعرابي هلا طلقتها وأغنيتك عنها بثلاث جوار ، ولك مع كل جارية ألف دينار ، ولك من بيت المال كل سنة ما يكفيك ، ويعينك عليهن ، فلما سمع الأعرابي قول أمير المؤمنين شهق حتى ظن الجميع أنه مات ، فقال معاوية ما بالك يا رجل : فرد عليه الأعرابي قائلًا : شر بال ، وأسوأ حال ، استجرت بعدلك من جور ابن الحكم ، فبمن أستجير من جورك ، وقال : يا أمير المؤمنين لو أعطيتني الخلافة بما حوته من مال ، ما تخليت عن سعدى ، فقال له معاوية : ولكنك طلقتها ، وطلقها مروان ابن الحكم ، فلنخيرها ، ونزوجها ممن تختار ، أن اختارتك رددناها إليك ، وأن اختارت سواك زوجناها له ، فانصاع الرجل لكلام معاوية ابن أبي سفيان وسلم أمره الله ، وانتظر أن يسمع رأي سعدى ، فدعاها أمير المؤمنين وسألها عن رأيها ، وقال لها : أيُ أحب إليك يا سعدى ، أمير المؤمنين في عزه وماله ، أم بن الحكم في ظلمه وجوره ، أم الأعرابي مع فقره وجوعه ؟
فأنشدت هذين البيتين :

هذا وإن كان فقر وإضرار ، أعز عندي من قومي ومن جاري
وصاحب التاج أو مروان عامله ، وكل ذي درهم عندي ودينار

وقالت : يا أمير المؤمنين لقد عشت معه في السراء ، وما أنا بناكرة للجميل ، ولي معه صحبة قديمة ، وأيام سعيدة ، وهو أحق الناس بصحبتي ، وأنا أحق الناس بالصبر على مصابه ، فأعجب الأمير بمرؤتها ، وأمر لها بعشرة ألاف درهم ، وردها للأعرابي بعقد جديد ،

القصة اعلاه تكاد تطابق الواقع الذي يعيشه الشعب السوداني الذي خرج في ثورة ديسمير ينشد استرداد الحقوق المسلوبة ولكنه عندما عقب سقوط النظام البائد اتت مجموعة تعرف نفسها و سرقت الثورة لمصلحتها وعملت ضد احلام الثوار الحقيقين في بناء وطن يسع الجميع ، لقد شهد السودان اوضاع اقتصادية صعبة وكانت اكثر قسوة علي الفقراء والمساكين بعد تطبيق سياسة البنك الدوليحتي جعلت البعض يحن الي ايام النظام البائد الذي كان اكثر رحمة مقارنة بما يحدث اليوم من ارتفاع جنوني في الاسعار وارهاق كاهل المواطن بالمزيد من رسوم الخدمات ، ان تخلي الحكومة عن اي التزام لها نحو الشعب يعتبر تراجع عن شعارات الثورة التي كانت تنادي بالعدالة الاجتماعية فالشعب كان يريد الافضل من الخدمات ولكنه بكل اسف وجد نفسه اسير مقيد لاصوت له ولسان حاله يقول
(براي السويتا في نفسي ) ،
لا يوجد اي تفسير للزيادات الاخير في رسوم الخدمات المفروضة علي المواطن الا مبرر واحد وهو الانتقام من هذا الشعب الذي خرج ضد نظام الانقاذ احتجاج علي نوايا حكومتها انذاك في زيادة اسعار الخبز من سعر واحد جنية الي سعر اثنين جنية ليجدها اليوم بسعر اربعين جنية ، لو كان الشعب يعلم الغيب لقبل باستمرار الوضع المعيشي في ذلك الوقت بدلا من ان يعاني في المستقبل خاصة لطبقة الفقراء والمساكين من هذا الظلم فطبقة السياسيين لايعاني اي واحد منهم صعوبة في توفير قوت يومه لذلك هم يعملون بالمثل الشعبي ( جلد ماجلدك جر فيه الشوك) من خلال عدم اعتراضهم علي سياسة البنك الدولي التي احالت حياة السودانيين، الي كابوس
و حتي بدعة مايعرف بالخبز المدعوم تم ايقافه و هنا الجنرال البرهان يتقاسم المسؤولة فيما يحدث من تجويع للناس حيث كان في الماضي يمكن ان نجد له العذر باعتبار ان منصبه كرئيس لمجلس السيادة يعتبر تشريفي وان كامل السلطة التنفذية كانت في يد السيد رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك ولكن بعد الخامس والعشرين من اكتوبر بات الجنرال البرهان هو الرجل الاول في البلاد لذلك كان يجب عليه الانحياز الي فئة الفقراء والمساكين بايقاف سياسية البنك الدولي وارجاع الدعم الحكومي الي الخبز والوقود والعلاج ولكن بكل اسف استمر في المضي علي نفس النهج الاقتصادي كما كان عليه في زمن السيد حمدوك مع فرض المزيد من الضرائب علي شعب 70% منه يعاني من الفقر والبطالة ،

لانعرف من يقف خلف هذه الحملة الانتقامية علي الشعب السوداني والبلاد لاتوجد فيها حكومة حتي تجتمع لتقرر في مثل هذه الامور التي تستحق النظر فيها داخل قبة البرلمان فالامر محير وغريب خاصة في ظل عدم وجود وزير للمالية فاذا قلنا ان للكيزان ضلع في ما يحدث من ازمات نكون غير منصفين وهم اساسا خارج السلطة وتبقي الحقيقة فى الذي ساند رفع الدعم الحكومي كان هو رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك المسنود من تجمع الحرية والتغير ذلك التجمع الذي كان من المفترض ان يكون في صف الشعب الذي خرج اساس لنيل الحقوق ومنها حق العيش الكريم اذا الكيزان لاذنب لهم في ما يحدث من زيادات في الرسوم ورفع الدعم الحكومي عن الخدمات التي كانت تقدم في عهدهم بطريقة ممتازة وهذه كلمة حق ،

لقد اصبحنا لا نعرف الحقيقة فكل هتاف كان يشق عنان السماء ابان الثورة ضد نظام الكيزان صار الان واقع معاش فكنا نقول حكومة الجوع تسقط بس وقد كان حينها سعر طلب (الفول) لايتجاوز مبلغ العشرة جنيهات فقط فاذا كانت حكومة الكيزان الحرامية توفر صحن (الفول) بمبلغ 10 جنيهات فقط فماذا نقول في حكومة يصل صحن (الفول) في عهدها الي مبلغ 500 جنية بالتمام والكمال ،

ان التلاعب بازمات البلاد لاجل الوصول للمآرب علي حساب دماء الشهداء يعتبر فعل غير اخلاقي لقد كنا ضد نظام الجنرال البشير بسبب التعنت في حجب الراي الاخر و قد كانت الدولة السودانية في ذلك العهد ذات طابع امني بحت ليس بغرض حماية امن البلاد فقط وانما كان الهدف الخفي هو السيطرة على حياة الناس وممارسة سياسة قمع الحريات وهذه قد تكون من اسباب سقوط نظام الانقاذ ، ان اتاحت الديمقراطية و حرية النشر والطرح كانت بدون شك سوف تساعد الحكومة البائدة في معرفة بواطن الامور وكشف اسباب الضعف في مفاصل الدولة من وجهة نظر المواطن
البسيط ،

ان تجربة مابعد سقوط نظام الانقاذ في ادارة الدولة تعتبر فاشلة مقارنة مع من سبقهم في الحكم ان تجويع الناس والامتنان عليهم بان الحرية باتت متاحة للجميع لايعتبر رد حكيم ويبقي السوال هل تكفي الديمقراطية لوحدها علي محاربة الجوع واشباع البطون الخاوية؟ ،

كان الله في عون الناس فالبلاد الان لا يوجد فيها حكومة ولا برلمان يحرص اعضاء الشعب فيه علي الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم المشروعة،

المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
Alaam9770@gmail.com

اترك رد