د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن؟ (4)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

د.أمين حسن عمر يكتب :

الكيزان من نحن؟ (4)

حركتنا ….دعوة أم سياسة

يشن العلمانيون ومن ظاهرهم من قوى دولية وإقليمية حملة على الإسلاميين ويتهمون دعوتهم أنه دعوة سياسية غرضها الأوحد هو السلطة ويطلقون على دعوتنا الإسلام السياسي فكأنما الإسلام صار عضين سياسي وغير سياسي والعجيب أنهم ذات الجهات التي تقول أن الإسلام الأول إنما إنتشر بالسيف أي انه انتشر بالسياسة والعسكرية وليس بالدعوة بالحسني .

ورغم تهافت الإتهام فلا يسوغ لنا تجاهل الرد عليه والسؤال يطرح بسبب ما تركته الثقافة العلمانية على العقول من آثار وأوضار وإلا فإن السياسة فرع من فروع الدعوة للخير والعمل به . وأصل الدعوة أنها تعريف بالحق والخير والجمال وحثٌ على إلتزام صراطها.

والدعوة لها ثلاثة آبعاد بعدٌ يتعلق بنقل الحقائق والمعلومات أو كما يقول خبراء الإعلام اليوم To inform . وبعدٌ يتعلق بالاقناع بهذه الحقائق وبناء وجدان متقبلٌ لها وعقل متفهم لها . وهو ما يسميه خبراء الاعلام To persuade . فمجرد العلم بالشيء لا يخلق القناعة به بل قد يؤدى إلى مدافعته ومعارضته .

فأنت تقرأ في محكم التنزيل (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً). فهم بلغوا من العلم بالحقيقة مرحلة اليقين ولم يردعهم هذا العلم عن رفض الحقيقة وجحدها ظلماً واستعلاءً . وكان الظلم والجهل المتعالى من جبلة الانسان ( انه كان ظلوماً جهولاً). فليس مجرد الالمام بالحقائق والإدراك لها ولو تيقناً منها باستخدام المنهج العلمي بكافٍ لتحقيق الرضا والقناعة والتسليم .

ولذلك فالدعوة ليس مجرد نقل للعلم بحقائق الدين والحياة بل هي تبليغ وتبيين . والتبليغ توصيل الأمر إلى غايته. وغاية الدعوة توصيل الحقيقة إلى شغاف القلوب حتى تتقبلها راضية بها. والبعد الثالث للدعوة هي التحويل من بعد التوصيل . وهو تحويل هذه القناعة والرضا إلى طاقة للفعل وللعمل وللحركة .

وعلماء النفس يسمون هذه الظاهرة بالنزوع . ذلك أن العلم بالشىء يحرك في وجدان الانسان ما يدعوه للفرح أو القلق أو الخوف وفي كل الأحوال يدفعه للتصرف على نحو ما. وبقدر ما يكون وقع الحقيقة قوياً على الوجدان يكون أثرها في دفع الإنسان إلى الفعل والتحرك بذات القوة أو بأقوى من ذلك.

ولذلك فإن خبراء الاعلام يسمون البعد الثالث بالبعد الحركي To actuate أى ما يحرك ويدفع. ويعبر عن هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس الايمان بالتحلى ولا بالتمنى ولكن ما وقر في الصدر وصدقه العمل). فالعلم بأن الله هو الإله الواحد الذي لا إله غيره ليس حقيقة باردة بل هي حقيقة مدوية . تملأ القلب والنفس وتوقظ الجوارح . وتملأها بمعانى الخشية منه والرجاء له . والمحبة لصفاته والشكر على نعمه وآلائه . والاستغناء بالاعتماد عليه عن الاعتماد على غيره.

الدعوة إذاً ليست إلا التعريف بالحقائق . حقائق الكون والحياة والإنسان كما أنزلها الله على رسله . وكما أدركتها العقول المفكرة المتدبرة . وتبليغ هذه الحقائق إلى القلوب لتضخها كما فعلها بالدماء إلى الجوارح والجوانح فتدفعها للاستجابة و إلى تفاعل منسجم مع حركة الأكوان المسبحة لله العلي العظيم. ولأن الدعوة كذلك فهي بطبيعتها دعوة شاملة لكل معانى الحياة العاجلة والآجلة . ولكل حقائق الكون البادية والخافية . ولكل شعاب النفس ما يهديها وما يضلها . ولكل سنن الاجتماع الانسانى التي لا تتبدل ولا تتحول.

ولأنها شاملة فهي تشمل حسن الطلب للدنيا . وحسن الطلب للأخرة . فتشمل علوم الفقه توحيداً وامتثالاً . وعلوم الكون وعلوم النفس . الاجتماع البشرى بما في ذلك علوم السياسة والاقتصاد التبادلي وتعارف الاجناس والأنواع وتعايشها .

د.أمين حسن عمر
كتاب الحركة الاسلامية السودانية..سؤالات وإجابات.

اترك رد