د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن..؟ (5)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

د.أمين حسن عمر يكتب :

الكيزان من نحن..؟ (5)

السياسة ام التربية

سؤال آخر يُسأل عن الإسلاميين ودورهم في تربية أفراد حركتهم وتنمية الوجدان المؤمن لديهم؟ وبعض قدامى الإخوان يزعمون أن هذا الدور قد تضاءل كثيراً بتعاظم الدور السياسي والأدوار الأخرى التي تضطلع بها الحركة الإسلامية في الحياة العامة . ولاشك أن هذا الدور كان مرئياً أكثر في الماضي عندما كان لا يزاحمه مهمات أخرى كبرى في الحياة العامة، ولكن القول أن هذا الدور قد أختفي أو أنه تضاءل قول يحتاج أن تُساق الأدلة والبراهين عليه. فلربما اتخذ هذا الدور شكولاً أخرى وعبر عن نفسه في مظاهر مختلفة. بيد أن الإحتمال المفترض بتضاؤله لا يعدم قرائن تعضده. فعلى الرغم من أن وجود الإخوان لم ينحسر في المساجد إلا أنه وجود أفراد بأكثر منه وجود جماعة منظمة كما كان الشأن في الماضي. ففي تلك الأيام كانت حلقة القرآن أنما تتحلق بتنظيم الأخوان لها . والصيام الجماعي في المسجد كان يُعمر بأواني الأفطار التي يجلبونها . وعيادة المسجد كان يقوم عليها طبيب من رواد المسجد أو ممن جلبه الأخوان من حي آخر لعيادة المسجد . ولا أزال أذكر جلسات الأنس التي تنعقد بين عيادة مريض ومريض آخر مع أخواننا من الاطباء أمثال مطرف صديق ومصطفى أدريس وغيرهم من الأطباء . كانت المناسبات الإسلامية يُذكر بها وتُحى ذكراها بالمحاضرات التي يلقيها العلماء والدعاة من الأخوان. وبلا شك فلا تزال المناسبات تُحى وتقام المحاضرات ولكن كل ذلك خرج من المسجد ، ولذلك فلابد من تدارس الوضع وتداركه باحياء المسجدية لا في نوافل الصلوات وحلقات التلاوة والذكر فحسب بل باتخاذ المسجد منطلقاً لعمل الخير جميعا . عوناً للفقراء واحياءً للجان الزكاة . وإعداداً لناشئة العلماء والخطباء . وأحياءً لليالي النورانية في كل المناسبات الاسلامية . واسترجاعاً لخدمات العيادات الطبية والدروس الإضافية والبرامج الصيفية في المساجد . فقد كان لكل ذلك دورٌ كبير في تنمية الايمان وتزكية نوازع الخير والعمل الصالح لدى أفراد الحركة الإسلامية.
ولا نقصد بالتربية النشاط المسجدي فحسب وان كان النشاط المسجدي هو بؤرة الإنطلاق لإصلاح الوجدان الفردي ثم الحياة العامة. إلا ان مفهوم التربية يشمل شعاباً أخرى مثل تربية ملكة القراءة والتفكر والتأمل . واكتساب الدُربة على محاورة النفس والحوار مع الآخرين. فالإنسان المتأمل في حالة تفاعل مستمر بين نفس أمارة تمنيه وتُغريه ونفسٍ لوامة تحذره وتهديه . ومحاورة النفس باب من أبواب التربية الذاتية والترقي الوجداني . يتقنه المرء من خلال التلاوة المتدبرة والذكر الذي لا تلهى فيه المباني عن المعاني ولا الألفاظ عن الأفكار ، ولذلك لئن كان الأمام البنا رحمه الله قد أوصى باوراد ووظائف على طريقة السادة الصوفية فلأنه أدرك ان تكرار تلك الأوراد الجامعة والأذكار المأثورة سيدفع المرء في لحظة من اللحظات إلى تأمل طليق وإلى تفكر عميق في تلك المعاني. فالذكرُ ليس مجرد عبارات يتمتمهن الذاكر بل هي كلمات يراد بها طرق أبواب العقل والقلب التي أرتجتها الغفلة والإنشغال بلُعاعات الدنيا عن كنوز الأخرة الروحية والمادية. وقد كان من دأب الأخوان في ذلك الزمان التداعي أسبوعياً إلى ما يسمونه بالجلسات الايمانية التي يبتدرونها بتكرار قول الصحابة عليهم الرضوان جميعاً (هيا بنا لنؤمن ساعة) فقد علموا أنه مثلما لغذاء الجسم ساعة ولشراب الجسم ساعة فإن لغذاء الفكر والروح ساعة فساعة.

د.أمين حسن عمر
كتاب الحركة الإسلامية السودانية..سؤالات وإجابات

اترك رد