حليم عباس يكتب : تعليقا على فضائح مجتمع الناشطين الدائرة هذه الأيام

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

حليم عباس يكتب :

تعليقا على فضائح مجتمع الناشطين الدائرة هذه الأيام

من الناحية المبدئية يظل الإنسان حراً في سلوكه الشخصي، و يشمل ذلك النوعين.

و لكن دائماً التصورات الشخصية تترجم نفسها بشكل تلقائي في المواقف السياسية؛ في القوانين التي من المفترض أن تنظم الدولة و المجتمع، و بالتالي فهي تتعدى الموقف الشخصي إلى موقف موضوعي يعمل على تجسيد تصورات معينة تبدأ من طبيعة الدولة و لا تنتهي بالتربية و الأسرة و الأخلاق، و لذلك يصعب الفصل بين الذاتي/الشخصي و الموضوعي.

و بشكل أكثر تحديداً، يتعلق الأمر بالقيم اللبرالية و خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة. هُنا توجد ايديولوجيا لبرالية ذات طابع سياسي بقدر ما هي قناعات ذاتية لأفراد أو لمجتمع من الأفراد يعيشونها في حياتهم الخاصة.
هذه الأيديولوجيا تطرح نفسها كشيء تقدمي في مواجهة مجتمع تقليدي محافظ و قد يوصم أحياناً بالرجعية و التخلف. و هي بالفعل تدل على مشكلة يواجهها المجتمع التقلدي كمجتمع يعاني من الضعف المادي و المعنوي و يعيش أزمة حضارية، ففي حقيقة الأمر هذه الأيديولوجيا اللبرالية ليست سوى عرض من أعراض الانحلال و التفسخ في المجتمع التقليدي.
المجتمع التقليدي المحافظ بطبيعة الحال ليس مجتمعاً بلا مشاكل و بلا علل داخلية، و مشكلة الانحلال و التفسخ الفكري و الأخلاقي التي تتجسد في مجتمع الناشطين اللبراليين و الناشطات هي أيضاً واحدة من علل هذا المجتمع.

المتابع للنقاشات الفضائحية في اوساط الناشطين هذه الفترة بسبب قضية التحرش سيلاحظ أن هُناك أمراً محسوماً و يُعتبر من المسلمات تقريباً؛ الزنا هو أمر طبيعي، ومن الطبيعي أو العادي ممارسة الجنس مع فتاة أو امرأة، ( لا يهم متزوجة أو غير متزوجة و لا يهم كذلك إذا كان الرجل متزوجاً أو لا، القضية كلها تتعلق بالتراضي و ما دام الجنس في ذاته ليس فاحشة فلا وجود لمعنى الخيانة في زمن الانحلال؛ هذه هي النتيجة الحتمية لهذه الأيديولوجيا و لو أنكر البعض ذلك). و للأمانة فهناك جدل يدور حول ما يُعرف “بالشحدة” و هل تُعتبر تحرشاً أم لا؛ يجادل البعض بأن ذلك لا يُعد تحرشاً، إنه مجرد طلب عادي، و للمرأة أن ترفضه ببساطة، بينما يجادل البعض الآخر بأن ذلك يُعتبر تحرشاً. المشكلة أن هذا النقاش يدور في ظل التسليم بفرضية أساسية تتعلق بتطبيع فاحشة الزنا نفسها.
الجنس موجود في أي مجتمع، و في أوساط الناس العاديين غير المثقفين، و لكن كشيء محرم مهما ارتكبه الشخص. و تظل برغم ذلك، مفاهيم العفة و الشرف و العيب إلى آخر هذه المفاهيم التقليدية موجودة و حاضرة، و لكن هذه المفاهيم و هي أيضاً قيم أخلاقية تقابل بالاحتقار و الازدراء من قبل الأيديولوجيا اللبرالية التي تعبر عن نفسها سياسياً. الفاحشة تظل في المجتمع فعل مجرم غير مسنود بأي تبريرات ذات طابع أخلاقي أو أيديولوجي. و لكن الأمر مختلف مع اللبراليين الذين يصرون على تطبيع تصوراتهم و أفكارهم و من ثم فرضها سياسياً. و أنا هُنا معني بهذا السياسي و الفكري بطبيعة الحال.

هذا المجتمع اللبرالي و العلماني بطبيعة الحال، هو في الواقع تعبير عن انحلال روحي و فكري للمجتمع التقليدي، و ليس أكثر من ذلك، و هو بالتالي لا يحمل أي قيم متفوقة على القيم المحافظة. بل في الواقع، ما نراه في هذا المجتمع يثبت و يبرهن القيم المحافظة التي كثيراً ما اتهمت بالسوء و التزمُّت؛ لأنه يؤكد أن العلاقة بين الرجل و المرأة يجب أن تكون كما يقول الدين و العرف التقليدي، علاقة يجب أن تكون دائماً ضمن حدود، و ليس هُناك شيء اسمه صداقة بريئة طاهرة؛ هذه مجرد أكاذيب. و المشكلة أن النقاش لا يدور حاليا حول الصداقة الطاهرة؛ كلا، فالزنا بين طرفي الصداقة هو تقريبا في حكم المسلمات ما دام بالتراضي، النقاش هو حول الاغتصاب و التحرش. و لكن أي اغتصاب و أي تحرش!

تخيل أن تكون هُناك قضية تحرش تدور أحداثها بين شخص مخمور مع صديقته التي كانت معه في شقة لوحدهما يشاهدان فليما معاً! خمر و فليم و غرفة مغلقة و رجل سكران و إمرأة، ثم قضية تحرش!
و لكن هذه ليست المشكلة؛ المشكلة هي كيف تنظر الأيديولوجيا اللبرالية إلى قضية تحرش كهذه. و هي تنظر لها كالتالي. إذا كانت الفتاة استجابت لهذا المسكين فلن يكون ذلك تحرشاً؛ هذه علاقة بالتراضي بين شخصين ناضجين و لن يسمع بها أحد، اللهم إلا لو أراد أحد الطرفين أن يتفاخر بها أو ما شابه. المشكلة هُنا أيها السادة و السيدات ليست في هذا السكران المسكين الذي ربما فهم الأمر خطأ. و لكن في “المؤسسة كلها”: كيف يعني رجل و صديقته في شقة لوحدهما و فليم، إيه الفوضى دي!

الذي ظهر جلياً هو أن العلاقات بين الجنسين في هذا الوسط ليست بتلك المثالية التي يصورها البعض. المرأة هنا في الغالب موضوع جنسي، لا أكثر ولا أقل. دعاوى الحرية و التحرر في الغالب تدور حول هذا الموضوع، و ليس هناك ما هو أكثر أو أعمق من ذلك.
و مرة أخرى من يريد أن يكون سفيها فهذا من حقه تماماً، و على المستوى الشخصي أحترم هذا الحق. و لكن القضية هنا تتعلق بصراع أفكار و أيديولوجيات و قيم في مجال فكري و سياسي. أنا أتكلم عن مناقشات في أوساط تنشط في السياسة و بالتالي في تحديد مصير الدولة و المجتمع. هذا المجتمع من الناشطين و عبر منصة مثل الفيسبوك يستطيع و استطاع بالفعل التأثير في معادلات السلطة و توجهات الدولة، و لا ننسى كذلك أنه مجتمع مسنود و مدعوم بأشكال مختلفة من الدعم من الغرب تحديداً. هؤلاء خصوم سياسيون و ليسوا مجرد صعاليك و مطلوقات و لو كانوا كذلك لما تكلمنا عنهم. و لذلك يجب فضح الأسس الفكرية و الأيديولوجية لهذه الفئات و تعريتها فكريا و سياسيا.

اترك رد