إبراهيم عثمان يكتب : وعي القحط ووعي النضال

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب :

وعي القحط ووعي النضال

من يراقب خطاب قحت ما بعد السقوط، ويحاول أن يمسك بالخيط الناظم له، سيكتشف بسهولة أنه يتمثل في عمليات إعادة ضبط المصنع للوعي بما يناسب قحت المعارضة، بعد عدة سنوات من وعي القحط الذي ناسب قحت الحاكمة، ولأن قحت معروفة بالتطرف في كل حالاتها، فإن إعادة الضبط تطلبت انتقالاً من أقصى نقطة بلغها وعي القحط، أي ذلك الوعي الخانع التسليمي الامتناني، إلى أقصى نقطة يُراد لوعي النضال أن يبلغها، أي ذلك الوعي الاحتجاجي المتمرد ليس على الحكومة فحسب، بل وعلى الدولة ومؤسساتها وشرعيتها وكل ثوابتها وأصولها التي يُفترَض أن تكون مرعية ..

تناولت في مقال سابق ما حدث، في فترة حكم قحت، من تقحيط لمعنى “القبض” بحيث أصبح كل اعتقال قبضاً قانونياً, وما يحدث الآن من تقحيط مضاد لكي يصبح كل قبض، لقيادي أو كادر قحتي تحديداً، اعتقالاً غير قانوني. والآن هناك عملية إعادة لضبط المصنع للوعي الذي يتعامل مع زيادات الأسعار . تقحيط الوعي فيما يخص هذه القضية كان يأخذ شكلاً مغالياً في مفارقة الطبيعي والمعتاد، وبالتالي مفارقاً بالكامل للوعي “النضالي”.

تمثل التقحيط في الاستبعاد الكامل للرفض العفوي التلقائي الذي يواجه به الجمهور زيادات الأسعار، خاصةً إذا اتخذت طابعاً دوسياً كاسحاً، والابتعاد إلى أبعد نقطة عن هذا النوع من الوعي، والانتقال مباشرة
إلى وعي التسليم والامتنان ممثلاً في حملات الشكر، لتُملأ المساحة الكبيرة بين الموقفين بالصمت لمن يناسبهم الصمت من مؤيدي الحكومة، وبالتبرير والتفسير لمن يناسبهم ذلك، وبالشماعات لمن يمتلكون القدر الكافي من المكابرة لاستحضارها في مثل هذا الموقف المتعلق بمعاناة ناتجة من قرارات حكومية لا من تعطيلها .

في الشهور الأولى بعد الإبعاد من السلطة اضطرت قحت إلى عدم التفعيل الفوري للوعي النضالي فيما يخص زيادات الأسعار، السبب الواضح لهذا السلوك هو حداثة عهدها بالسلوك المضاد وما ستجلبه عملية تجميده فوراً والانتقال المباشر إلى نقيضه من سخرية توقن بأنها ستكون مستحقة، ولذلك اكتفت في هذه الشهور بنوع جديد، ومؤقت، من الوعي النضالي تمثل في استخدام ما حدث بعد قرارات أكتوبر من انخفاض في بعض أسعار السلع لتعزيز نظرية التعطيل .

والآن، بعد أن رأت أن الفاصل الزمني يكفي للتخلي عن وعي القحط، وبعد أن استأنفت الحكومة القائمة سياسة رفع الدعم المعتمدة من حكومة قحت، بعد هذا، بدأت قحت في استحضار الوعي النضالي للتعامل مع زيادات الأسعار، لتطلب عدم الصمت، ولتلغي خطابات التفسير والتبرير، ولتقتل نظرية الشماعة/ التعطيل، ومن باب أولى لتلغي حملات الشكر ، بل ولتتبرأ منها بأثر رجعي كما فعل المهندس خالد سلك الذي زعم – في ندوة شمبات قبل تفريقها بواسطة كتائب غاضبون وملوك الاشتباك – أن حملة “شكراً حمدوك” كانت مؤامرة على قحت من خصومها !!

كم نسبة الذين سيتفقون مع قحت بأن ما حدث من تقحيط للوعي كان مؤامرة ضدها لا اجتهاداً منها لتثبيت حكمها ؟

إبراهيم عثمان

تعليق 1
  1. […] إبراهيم عثمان يكتب : وعي القحط ووعي النضال […]

اترك رد