د.أمين حسن عمر يكتب : “رحلة البحث عن سلام” طريق السلام من مشاكوس إلى الدوحة (2)

الخرطوم : الرآية نيوز

د.أمين حسن عمر يكتب :

رحلة البحث عن سلام

طريق السلام من مشاكوس إلى الدوحة (2)

كان أهتمام الحركة الإسلامية بقضية الجنوب إهتماما قديما فأول شهيد في الحركة الإسلامية أستشهد في أحداث توريت هو الأستاذ أحمد علي المعروف لدى إخوآنه بمولانا وذلك في العام 1955 وكان من ألمع رموز الحركة الإسلامية مما وضع مشكلة الجنوب من التمرد الأولى موضع أهتمام الحركة الإسلامية.

وكان تفجير أنتفاضة أكتوبر بسبب سلسلة من المحاضرات نظمتها الحركة الاسلامية في جامعة الخرطوم وشارك فيها د. حسن الترابي ود حسن عمر وآخرين من قيادات الحركة وقادة الأتحاد الذي قاده آنذاك الإستاذ حافظ الشيخ الزاكي ثم خلفه على رئاسة الأتحاد بعد أعتقاله وأعتقال اللجنة التنفيذية للأتحاد الأستاذ ربيع حسن أحمد. وشهدت الندوات أنتقادا حادا لسياسة حكومة عبود تجاه الجنوب ودعت للتحاور مع زعمائه آنذاك وليم دينق وجوزيف أدوهو بل ذهبت الندوة الثانية إلى ضرورة تنحي الحكومة العسكرية لتفسح الطريق لحكومة مدنية تقود الحوار مع الجنوب. ولما تصاعدت الأحداث وأدت إلى تنحي حكومة الفريق عبود كانت مشكلة الجنوب في طليعة أهتمامات حكومة سر الختم الخليفة بل أن سر الختم الخليفة ما وقع الإختيار عليه إلا بسبب صلته القوية بالزعماء الجنوبيين وكان إقتراح الترابي هو عقد مائدة مستديرة للحوار مع قادة الجنوب الذين إستجاب بعضهم لنداء الحوار وأحجم البعض الآخر وعلى رأس المستجيبين كان وليم دينق رئيس حزب سانو وتحفظ القائد جوزيف أدوهو رئيس حزب جبهة الجنوب. وتبنى د. الترابي في مؤتمر المائدة المستديرة الحل الفيدرالي الذي كان مطلبا للزعماء الجنوبيين بينما ظل شعار الأحزاب الأخرى حزب الأمة والحزب الأتحادية هو لا فيدرالية بين أمة واحدة
No federation between one nation
وتمخض عن مؤتمر المائدة المستديرة لجنة الأثني عشر وكان الدكتور الترابي ووليم دينق هما الدينمو المحرك للجنة بل أن الحركة الإسلامية عبر زعيمها إستطاعت إقناع حزبي الأمة والإتحادية بقبول مستوى من مستويات اللامركزية الفيدرالية في مسودة دستور
لكن أغتيال الزعيم الجنوبي وليم دينق في أخريات أيام الحكومة الحزبية في ظروف غامضة أدى إلى نكسة خطيرة في ملف العلاقات بين الشمال ولجنوب كما أن مسودة الدستور أطيح بها في إنقلاب مايو 1969 وعادت الأمور للإنتكاس مع الجنوب وإشتعل لهيب الحرب أكثر فأكثر حتى جاءت أتفاقية في 27فبراير 1972 في أديس أبابا التي مضت في إتجاه مقترحات مسودة 1968 لتمنح الجنوب حكما ذاتيا فيدراليا ذهبت لمسافة أبعد مما منحته مسودة 1968وذلك بأثر النفوذ الغربي على حكومة نميري بعد إنقلاب الشيوعيين الفاشل في يوليو1971 تحقق للجنوب الوضع الفيدرالي الذي سعى إليه منذ العام 1955 وكان يمكن لذلك الحل أن يكون مستداما لولا بروز عوامل جديدة أهمها الإنقسام الحاد بين الدينكا والإستوائين الذين شكلوا غالب المتعلمين و المثقفين آنذاك وعامل جديد هو التحريض الغربي والكنسي على الإنفصال بعد بروز شواهد للبترول في جنوب السودان. وقد أدى الصراع الجنوبي الجنوبي إلى اتخاذ الرئيس النميري قار التقسيم بعد أن أغضبه إعتراض قادة حكومة الجنوب على إقامة مصفاة للبترول في كوستى وأعتبر ذلك الرفض مؤشرا لروح انفصالية. وقسم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم وكانت المصالحة الوطنية قد جرت بين النميري و معارضة الجبهة الوطنية في يوليو 1977 وعين الصادق المهدي و الميرغني و الترابي في قيادة الإتحاد الاشتراكي ثم عين الترابي وزيرا للعدل و النائب العام واستطاع الترابي أقناع النميرى بتطبيق النظام الإقليمي في شمال السودان أيضا وكان مقصد الترابي أن تشمل الفيدرالية في تطورها المتدرج جميع أنحاء البلاد وبعد أعلان قوانين الشريعة في سبتمبر 1984 كان من رأي الدكتور الترابي إعتماد خصوصية تشريعية للجنوب لكن الرئيس النميرى كان آنذاك تحت تأثير المتشددين من مستشاريه فلم يعمل بأقتراح الترابي. بيد أن الدكتور الترابي قد ضمن أفكاره في الفيدرالية المتطورة للجنوب والوضع التشريعي الخاص فيما أسماه ميثاق السودان وذلك بعد أنتفاضة أبريل وتأسيس الجبهة الإسلامية القومية والتي طرحت ميثاقا لحكم السودان يؤسس لوضع خاص لجنوب السودان وكنت آنذاك مسؤولا عن المكتب الثقافي في الجبهة الإسلامية القومية وبهذه الصفة أتيحت لي المشاركة في مناقشات الميثاق قبل إعتماده ونشره والدعوة لتطبيقه ولكن الجبهة ظلت غالب الفترة في المعارضة وكانت تلك الفرصة للحوار حول الميثاق أول سانحة لي للتفكير عميقا في مشكلة جنوب قد
السودان فنحن منذ الطفولة نعيش المشكلة ونحن نردد النشيد مع منقو زمبيري
نحن روحان حللنا بدنا

منقو قل لا عاش من يفصلنا

وعندما قامت حكومة الوفاق التي لم تستمر لعام واحد لم يتسنى للدكتور الترابي إقناع رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي بتطوير نظام للأقاليم لولايات فيدرالية وإعطاء وضع تشريعي خاص للجنوب. ولذلك فلا غرو أنه وبعد أقل من شهر بعد التغيير في 30يونيو 1989الذي جلب الإسلاميين للحكم (وحتى قبل خروج الدكتور الترابي من محبسه الإختياري) أن يبدأ التحضير لمؤتمر مائدة مستديرة جديدة حول قضايا السلام وكنا بعض ممن كلف بالتحضير لمؤتمر قضايا السلام الذي انعقد في أغسطس 1989 وكان المؤتمر نقطة الإنطلاق نحو تنزيل إستراتيجية الحركة الإسلامية في التعامل مع مشكلة جنوب السودان.
نواصل بإذن الله

د.أمين حسن عمر

د.أمين حسن عمر يكتب : “رحلة البحث عن سلام” طريق السلام من مشاكوس إلى الدوحة (1)