د.أمين حسن عمر يكتب : “رحلة البحث عن سلام” طريق السلام من مشاكوس إلى الدوحة (3)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

د.أمين حسن عمر يكتب :

“رحلة البحث عن سلام”

طريق السلام من مشاكوس إلى الدوحة (3)

ذكرنا آنفا أن الحركة الإسلامية ممثلة في أمينها العام الدكتور الترابي كانت هي قوة الدفع وراء التحرك الجاد لحل مشكلة الجنوب بعد إنتفاضة أكتوبر 1964 و انعقد بفضل جهد ومثابرة د. الترابي مؤتمر المائدة المستديرة الذي مثل أول خطوة نحو الحوار بعد تمرد 1955.وبعد مجيء الإنقاذ كانت أول خطوات الحكومة الجديدة إعلانها عن وقف إطلاق نار من طرف واحد. كما أعلنت عفوا عاما عن كل من حمل السلاح منذ العام 1983. وذلك تؤطئة للحوار والتفاوض مع الحركة الشعبية التي كانت موحدة تحت قيادة العقيد جون قرنق. بيد أن رد فعل الحركة الشعبية جاء سلبيا ومتشنجا. لكن الرؤساء الأفارقة في قمة منظمة الوحدة الأفريقية(قبل إنشاء الإتحاد الأفريقي) إستطاعوا الجمع بين الحكومة والحركة الشعبية في 18اغسطس 1989.
وكان ذلك أيضا هو آول حوار بين الحكومة والتمرد منذ أن أندلع التمرد مرة أخرى في 1983. وكان اللقاء أشبه بتمرين لبناء الثقة واتفق الطرفان على مواصلة الحواربينهما . وارتفعت الحماسة في الخرطوم بعد ذلك اللقاء وقرر الإستاذ على عثمان محمد طه الممسك بزمام القيادة في غياب الترابي في محبسه الإختياري أن يكون عدة لجان للتحضير لمؤتمر الحوار حول قضايا السلام وقد ورد إسمي ضمن لجان التحضير والتي كانت القضايا اللوجستية لعقد المؤتمر هو أقل همومها فالهم الأكبر كان هو العمل على حشد أكبر جمع من الشخصيات القومية والكفاءات العلمية للمشاركة في المؤتمر. ولم يكن ذلك أمرا سهلا في أجواء التوجس والتردد في العمل مع حكومة أنقلاب لم يمض عليها شهران بعد في الحكم. ولا تزال ردود الأفعال حول أنقلابها تتفاعل داخليا وخارجيا. وكان تحقيق المشاركة المتنوعة الواسعة مسألة جوهرية فهي التي يتحقق بها معنى قومية المؤتمر. فلو أن المؤتمر رؤي وكأنه حشد للحركة الإسلامية ومن تحالف معها تاريخيا فإن ذلك سيقلل كثيرا من مغزى مخرجات المؤتمر الذي يراد له أن يكون تحضيرا قوميا للمفاوضات المرتقبة مع الحركة الشعبية. وقد نجحت المشاركة في المؤتمر بتنوع و بمعدل فاق توقعات أكثر المتفائلين. وبرزت في المؤتمر شخصيات مرموقة من الشمال و الجنوب كان بعضهم مستقلون مثل الدكتور عبد السميع عمروبعضهم الآخر قيادات في أحزاب مثل الحزب الاتحادي وحزب الأمة وقد شارك غالبهم فيما بعد في مواقع تنفيذية ووزارية في حكومات الإنقاذ المتعاقبة. وقد استطاعت الحركة إحداث مفاجأة للجميع بما طرحت من أفكار جريئة وغير متوقعة من حكومة لم يستقر بها المقام بعد في السلطة. واستمر المؤتمر لست أسابيع من 9سبتمبر الى21أكتوبر وكان إعلان مخرجات المؤتمر في ذلك التاريخ مقصودا تيمنا بثورة أكتوبر التي بدأت شرارتها الحركة الإسلامية بسبب قضية الجنوب. وشملت التوصيات توسيع المشاركة في السلطة وإقامة نظام فيدرالي في السودان يتكون من تسعة ولايات ستة في الشمال وثلاثة في الجنوب وآن تكون هناك معادلة منصفة لتقاسم الثروة والسلطة وإن تراعي حقيقة أن السودان وطن متنوع الأعراق والثقافات والأديان وإن يعطي للجنوب خصوصية تشريعية فلا تطبق فيه آحكام الشريعة الاسلامية. وكانت توصيات المؤتمر سببا لإثارة الدهشة و الأهتمام داخليا وخارجيا بل أن الرئيس الآمريكي الأسبق جيمي كارتر تقدم بمبادرة لجمع الحكومة والحركة من جديد في نيروبي. و انعقدت تلك المحادثات في نيروبي في 28نوفمبر حتى الخامس من ديسمبر وذلك بحضور الرئيس كارتر الذي أعلن للملأ أن الحكومة قد تمكنت من أنجاز واجبها المنزلي
It’s home work
وحتى الحركة الشعبية أقرت بأن ماخرج به مؤتمر الحوار حول السلام يعتبر أمرا إيجابيا ومشجعا. وبعد عودة الوفد من نيروبي شرعت الحكومة في تكوين اللجان لتنفيذ النظام الفيدرالي وإنزال مخرجاته لواقع الحال
ولكن رغم الختام الإيجابي لمفاوضات نيروبي في ديسمبر 1989الا أن الحركة الشعبية (والتي كان مقر قيادتها في أديس أبابا ) مضت في زيادة التصعيد لا خفضه ورفضت مبادرات الحكومة التي جددت وقف أطلاق النار من طرفها مرة بعد مرة كما قبلت الحكومة وقف إطلاق نار أنساني دعت له الأمم المتحدة في بحر الغزال بسبب المجاعة هنالك .وتصاعدت عمليات الحركة مستغلة وقف إطلاق النار من الحكومة ودعم واسع عسكري من أثيوبيا وكوبا والإتحاد السوفياتي. فالحركة بالمانفستو اليساري الذي كانت تتبناه كانت تصنف يسارا وتحظى بدعم المعسكر الشرقي . كذلك إشتد التوتر بين حكومة الخرطوم و حكومة مانغستو هيلا مريام في أديس أبابا وتبادل الطرفان الأتهامات بدعم حركات التمرد هنا وهناك. وكان رد فعل حكومة الإنقاذ هو مضاعفة دعم المعارضة الأثيوبية المتمثلة في حركة التغراي التي كان يقودها مليس زناوي والحركة الشعبية الأرتيرية التي كان يقودها أسياس أفورقي بل أن الحكومة جعلت الأولوية القصوى هي إسقاط نظام مانغستو هيلا ميرمام لاضعاف الحركة التي ماكانت تحظي بدعم كبير من الحكومات في الغرب بسبب نهجها الماركسي ولكنها رغم ذلك كانت تنال دعم جماعات كثيرة ناشطة وجماعات كنسية. وانتهت مباراة عض الأصابع بين أثيوبيا والسودان إلى سقوط نظام الدرق الماركسي في أديس ودخول حلفاء الخرطوم إلى آديس أبابا وأسمرا مظفرين وكان ذلك منعطفا جديدا ومهما في تاريخ الحرب والسلام بين الخرطوم والحركة الشعبية في جنوب السودان.

نواصل بإذن الله

د.أمين حسن عمر

د.أمين حسن عمر يكتب : “رحلة البحث عن سلام” طريق السلام من مشاكوس إلى الدوحة (2)

اترك رد